نظرية التعلق
نظرية تصف طبيعة العلاقات طويلة المدى بين البشر،
الهدف من نظرية التعلق السلوكي عند الطفل هو الاحتفاظ أو تحقيق التقارب إلى مُقدمي الرعاية، وعادة ما يكون الأباء هم مُقدمي الرعاية.
نظرية التعلق هي نظرية تصف طبيعة العلاقات طويلة المدى بين البشر، وتعتقد بأن الطفل بحاجة إلى تكوين علاقة مع شخص واحد على الأقل من مُقدمي الرعاية لكي يحصل على النمو العاطفيوالاجتماعي بطريقة طبيعية. فهي تشرح كيف تؤثر علاقة الطفل بأبويه على نموه.[1] نظرية التعلق هيدراسة متعددة التخصصات، حيث تشمل نظريةالتطور وعلم النفس ونظريات علم السلوك الحيواني. وشكلت شريحة الأطفال المشردين والأيتام مشاكل كبيرة عقب الحرب العالمية الثانية.[2] وأشارتمنظمة الأمم المتحدة عقب ذلك إلى الطبيبوالمحلل النفسي جون بولبي بكتابة كتيب حول هذا الموضوع،[3] والذي يحمل عنوان حرمان الأمومة. وقد تطورت نظرية التعلق كنتيجة لأبحاث بولبي التي تلته.
يتعلق الطفل الرضيع بالأشخاص ذوي الحس المرهف واللذين يستجيبون معه في التفاعلات الاجتماعية، والذين يظلون كمُقدمي رعاية بصفة مستمرة لبضعة أشهر خلال الفترة من 6 أشهر إلى عامين. عندما يبدأ الطفل بالحبو والمشي، يبدأ بإتلاف مقتنيات مُقدمي الرعاية كقاعدة آمنة ينطلق منها لاستكشاف ما حوله والعودة إليهم. تُؤدي استجابات مُقدمي الرعاية للطفل إلى تكون أنماط مختلفة من التعلق، والتي بدورها تُؤدي إلى تكوين نماذج داخلية لدى الطفل التي توجه إدراكه الحسي الفردي وأفكاره ومشاعرهوتوقعاته في علاقاته الاجتماعية عند الكبر.[4]ويعتبر قلق الانفصال والحزن الشديد اللذان يتبعان فقدان مُقدم الرعاية رد فعل طبيعي وتكيفي من الطفل المتعلق حديثًا.[1] وكلما تطورت هذه السلوكيات كلما زادت إمكانية معافاة الطفل.[4]
يرجع سلوك الطفل وثيق الارتباط بالتعلق إلى سعيه في المقام الأول إلى التقرب من رمز التعلق. ولصياغة نظرية شاملة حول طبيعة الترابط السابق لأوانه، بحث بولبي في مجالات عدة، بما في ذلك علم الأحياء التطوري، ونظرية العلاقة بالموضوع،[5]فرع التحليل النفسي ونظرية الأنظمة ومجالات علم سلوك الحيوان وعلم النفس المعرفي.[6] وبعد وثائق أولية بدءًا من عام 19588، نشر بولبي دراسة شاملة في ثلاثة مجلدات في الفترة من 1969 حتى 1982، على الترتيب: التعلق والانفصال والفقدان.[7]
قدمت عالمة النفس التطويري ماري أينسورث بحثًا فيما بين 1960 و19700، والذي يعزز بدوره المفاهيم الأساسية للنظرية، وقدمت مفهومالقاعدة الآمن[8] وطورت منهج لعدد من أنماط التعلق عند الأطفال: التعلق الآمن والتعلق الانطوائي والتعلق القلق/المشوش. وفي وقت لاحق، تمت إضافة نمط رابع للتعلق وهو التعلق المشوش أو غير المنتظم.[9] وفي عام 19800 امتدت النظرية لتشمل التعلق عندالبالغين،[10] فسرت علاقات أخرى كإحدى مكونات سلوكيات التعلق. وتشمل هذه التفسيرات علاقات الأقران في كل الأعمار، الجاذبية العاطفية والجنسية، واستجابات لذوي الاحتياجات من الأطفال أو المرضى وكبار السن.
وفي بداية ظهور النظرية، نقد علماء النفس الأكاديميي نظرية بولبي ونبذه مجتمع التحليل النفسي لانحرافه عما تؤمن به مدرسة التحليل النفسي.[11] وعلى الرغم من ذلك، أصبحت نظرية التعلق المنهج السائد الذي يشرح التطور الاجتماعي المبكر، حيث أنه أعطى الفرصة لتدفق هائل فيالبحث التجريبي في تكوين العلاقات الحميمة عند الأطفال.[12] وقد وُجهت انتقادات للنظرية بعد ذلك والتي تتعلق بحساسية وتعقيد العلاقات الاجتماعية والقصور الذي تسببه التصنيفات غير المترابطة من أنماط التعلق.[11] وقد عُدلت نظرية التعلق بشكل كبير كنتيجة للبحث التحليلي، لكن أفكارها أصبحت مقبولة عمومًا. وشكلت نظرية التعلق قواعد لعلاجات جديدة وأعادت تكوين ما كان موجودًا من قبل، واستخدمت أفكارها في صياغة السياسات الاجتماعية ورعاية الطفل لدعم علاقات التعلق المبكرة لدى الأطفال.[13]
التعلقعدل
التعلق هو علاقة مستعرضة في كل المجتمعات البشرية، وحتى في غيرها من الثدييات.
التعلق هو رابط أو وثاق عاطفي بين الشخص ومُقدم الرعاية. وتكون مثل هذه الروابط تبادلية بين البالغين، إلا أنها تعتمد على حاجة الطفل إلى الأمن والآمان والحماية بين الطفل ومُقدم الرعاية. وتحتل هذه الاحتياجات المكانة العليا في مراحل النمو المبكر والطفولة. وتفترض النظرية أن الطفل يتعلق بمُقدم الرعاية بصفة غريزية بهدف البقاء من جهة،[14] ولأسباب جوهرية ووراثية من جهة أخرى مثل التطور البدني والاجتماعي والعاطفي،[15] حيث أن الهدف البيولوجي هو البقاء والهدف النفسي هو الأمان.[12] ولكن نظرية التعلق ليست منهجًا استقصائيًا وصفيًا للعلاقات الإنسانية، كما أنها ليست مترادفًا للحب والعواطف، ومع ذلك، فإن هذه العواطف تقتضي الإشارة إلى وجود هذه الآواصر بالفعل. وتُسمى علاقة الطفل بالبالغ تعلقًا، فيما تُسمى علاقة مُقدم الرعاية المبادلة والمساوية له برابط تقديم الرعاية.[15]
يتعلق الطفل بأي مُقدم رعاية دائم التواجد معه، والذي يتميز برقة المشاعر وسرعة الاستجابة معه في المعاملات الاجتماعية، حيث أن نوعية الروابط الاجتماعية تُعد أكثر تأثيرًا من كمية الوقت الذي يُقضى فيها. وبشكل عام، فإن الأم عادة ما تكون رمز التعلق عند الطفل، ومع ذلك، فإنه يُمكن لأي شخص أن يأخذ هذا الدور إذا تصرف مع الطفل بطريقة حميمة وبشكل منتظم لفترة من الزمن. وتشتمل نظرية التعلق على مجموعة من السلوكيات التي تتضمن مشاركة الطفل في المعاملات الحياتية والاستجابة لإشاراتهم بسهولة ويسر.[16] ويتساوى الاّباء مع أي أشخاص آخرين، حيث يمكنهم أن يصبحوا رمزًا أساسيًا للتعلق عند الطفل إذا كانت لديهم القدرة على تلبية احتياجات الطفل وما شابه ذلك من المعاملات الاجتماعية.[17]
يُوجه سلوك التعلق، سعيًا للتقرب، بعض الأطفال تجاه أكثر من مُقدم رعاية، وبمجرد أن يصل لسن الثانية يبدأ بالتفرقة بين مُقدمي الرعاية. وقد تم ترتيب مُقدمي الرعاية في متسلسل هرمي مع وضع مُقدم الرعاية الرئيسي في مُقدمة المتسلسلة.[18] ويكمن الهدف الرئيسي من منظومة التعلق السلوكي في الحفاظ على روابط عدة مع مُقدم رعاية يسهل فهمه والتواصل معه.[19] ويُستخدم مصطلح الإنذار لتنشيط منظومة التعلق السلوكي الذي يسببه الخوف عند الخطر، فيما يُشير القلق إلى الخوف من الانفصال عن مُقدم الرعاية. وتحدث أزمة الانفصال عندما يصبح مُقدم الرعاية غير موجود أو غير مستجيب.[20] ويُسبب الانفصال الجسدي مشاعر القلق والخوف عند الأطفال متبوعًا بالحزن واليأس. ولم يُعد يُشكل الانفصال الجسدي تهديدًا في ارتباط الطفل بمُقدم الرعاية عند سن الثالثة أو الرابعة. وتنشأ التهديدات التي يتعرض لها الأطفال الأكبر سنًا والبالغين عن الغياب لفترات طويلة وانقطاع الاتصال وعدم التقبل العاطفي مع بعض إشارات الرفض أو الهجر.[19]
على الرغم من أن الأم عادة ما تكون هي أول مُقدم رعاية للطفل، فإنه يمكن للطفل أن يكن سلوك التعلق تجاه أي مُقدم رعاية يُظهر له رفة المشاعر ويستجيب معه في التعاملات الاجتماعية.
السلوكياتعدل
تعمل منظومة التعلق السلوكي على الحفاظ على مُقدم الرعاية مع تحقيق التقرب إليه.[4] وتنشأ سلوكيات ما قبل التعلق في الستة شهور الأولى؛ حيث أنه خلال المرحلة الأولى، في الثماني أسابيع الأولى، يبتسم الطفل ويُصدر أصواتًا ويبكي ليجذب انتباه مُقدم الرعاية. وعلى الرغم من أن الطفل يتعلم التفريق بين مُقدمي الرعاية إلا أنه يقوم بتوجيه هذه السلوكيات لأى شخص على مقربة منه؛ وخلال المرحلة الثانية، من شهرين إلى ستة أشهر، يبدأ الطفل في التفرقة بين المألوف وغير المألوف بالنسبة له من البالغين ويُصبح أكثر استجابة مع مُقدم الرعاية، وقد أضيفت سلوكيات الاتباع والالتصاق كسلوكيات مميزة لهذه المرحلة؛ بينما تتطور معالم التعلق في المرحلة الثالثة، فيما بين عمر الستة أشهر وحتى عامين، حيث تُصبح سلوكيات الطفل تجاه مُقدم الرعاية منظمة، بحيث يعتمد على هدف موجه، ألا وهو الوصول إلى الظروف التي تجعل الطفل يشعر بالأمان.[21] وبنهاية السنة الأولى، يُصبح الطفل قادرًا على إبداء سلسلة من سلوكيات التعلق للحفاظ على التقارب. وتتجلى هذه السلوكيات في الاعتراض على مغادرة مُقدم الرعاية والترحيب بعودته والتشبث به عند الخوف واتباعه حيثما كان.[22] ومع تطور الحركة عند الطفل، يبدأ باستخدام مُقدم أو مُقدمي الرعاية كقاعدة آمنة ينطلق منها لاستكشاف ما حوله.[21] وبدورها، تصبح قدرة الطفل على الاكتشاف أكبرعندما يتواجد مُقدم الرعاية معه، فيكون نظام التعلق عند الطفل أكثر ارتياحًا مما يعطى الطفل الحرية في الاكتشاف. وتظهر سلوكيات التعلق عند الطفل بقوة في غياب مُقدم الرعاية أو في حالة عدم استجابته له.[23]
يمكن أن يُزيد القلق والخوف والمرض والتعب من حدة سلوكيات التعلق لدى الطفل.[24] وبعد إتمامه للعام الثاني، يبدأ الطفل في رؤية مُقدم الرعاية كشخص مستقل، ويبدأ في تكوين علاقة أكثر تعقيدًا،[25] والتي تُصبح في الوقت نفسه بمثابة تصحيح مسار، حيث يبدأ الطفل في ملاحظة أهداف ومشاعر الآخرين ويوجه أفعالهم وفقًا لذلك. وعلى سبيل المثال، عندما يبكي الطفل ذو العامين من الألم لكي يستدعي مُقدم الرعاية، وعندما لا يستجيب له يبكي بصوت أعلى ويصرخ أو يتبعه.[12][26]
تنشط الخبرات المبكرة مع مُقدم الرعاية نظم التفكير والذكريات والمعتقدات والتوقعات والعواطف تدريجيًا عن الذات وعن الآخرين.
المعتقداتعدل
تظهر سلوكيات وعواطف التعلق الشائعة عند معظمرتبة الرئيسيات الاجتماعية بما فيها البشر، لقدرتهم على التكيف. وقد تضمن التطور طويل المدى لهذه الأنواع انتقاء السلوكيات الاجتماعية التي تجعل بقاء الفرد أو المجموعة أكثر احتمالًا. ويتمثل سلوك التعلق الشائع الملاحظ عند الرضع في البقاء بقرب من يألفهم، والذي له مزايا للأمان على بيئة التكيف المبكر، وله المميزات ذاتها على البيئة الحالية. يرى بولبي أن بيئة التكيف المبكر تشبه المجتمعات البدائية الحالية.[27] وهناك ميزة للبقاء في القدرة على الشعور بظروف الخطر مثل عدم الألفة، تركه وحيدًا، أو الاقتراب السريع. ويواصل بولبي رؤيته موضحًا أن السعى للبقاء بقرب مُقدم الرعاية عند مواجهة التهديد هو الهدف الأساسي من منظومة التعلق السلوكي.[20]
نظام التعلق هو أمر مؤثر جدًا، ويُمكن للطفل أن يتعلق بسهولة، حتى في الظروف الأقل مثالية لتكوينه.[28] وعلى الرغم من هذه القوة، إلا أن الانفصال الطويل عن مُقدم الرعاية المألوف - في حالة حدوث تغيرات متكررة في مُقدم الرعاية تحول دون تطوير التعلق - ربما يظهر في صورة اضطراب نفسي عند موقف ما فيما بعد.[28] ولا يميز الأطفال في الأشهر الأولى ممن يتلقون الرعاية سواء كانت من الأم نفسها، أو أشخاصًا آخرين، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، حيث أن أنماط تقديم الرعاية تختلف باختلاف الثقافات الإنسانية، ومنظومة التعلق عند الطفل بطبيعتها مرنة جدًا بحيث يمكنها التكيف مع كل هذه الأنماط. تتطلب عملية تطوير مميزات وسلوكيات أفراد بعينهم المزيد من الوقت، حيث يولونها اهتمامهم ورعايتهم.[28] وعندما يُصبح الطفل قلقًا جراء انفصاله عن مُقدم الرعاية، يُشير ذلك إلى أن الرابط بينهم لم يعد يعتمد على وجود مُقدم الرعاية، بل على طبيعة وجوده.[12]
يرى بولبي أن طبيعة الفترة الأكثر حساسية تكون فيما بين عامين وستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، وقد تم تعديلها إلى فترة أقل وفقًا لمنهج كل شيء أو لا شيء. وفي هذه الفترة، تتطور سلوكيات التعلق المنتقاة، إلا أن إطارها الزمني يكون ثابتًا وواسع النطاق، ويكون تأثيرها أقل من ذي قبل. ومع المزيد من الأبحاث، ارتأى الكتاب أن نظرية التعلق تقر بأن التطور الاجتماعي يتأثر بالعلاقات المستقبلية كما يتأثر بالعلاقات المبكرة.[11] وتكون خطوات التعلق المبكر أكثر سهولة إذا كان للطفل مُقدم رعاية واحد، أو كان يتلقى رعاية وقتية من عدد قليل من أناس آخرين.[28] يعتقد بولبي أن معظم الأطفال لديهم أكثر من مُقدم رعاية من الدرجة الأولى، والذين بدورهم يُوجهون لهم سلوكيات التعلق. ولكن لا يتم معاملة هؤلاء الأشخاص المعاملة ذاتها، بل أنه هناك شخص واحد يميل إليه الطفل ويُوجه إليه سلوك التعلق بشكل أساسي. وقد استخدم بولبي مصطلحالمونوتروبي[29] لوصف هذا الانحياز لشخص واحد بعينه.[30] وتخلى الباحثون والمنظرون عن هذا المصطلح بقدر ما يمكن أن يُفسر على أن العلاقة مع شخص معين تختلف نوعيًا عن العلاقات مع أشخاص آخرون. وعلى النقيض، فإن التفكير السائد حاليًا يسلم بالتسلسلات الهرمية في العلاقات تسليمًا كاملًا.[11][31]
تعمل الخبرات المبكرة مع مُقدم الرعاية على تنشيط نظم التفكير والذكريات و المعتقدات والتوقعات والعواطف والسلوكيات تدريجيًا عن الذات وعن الآخرين. ويُسمى هذا النظام بنموذج العمل الداخلي للعلاقات الاجتماعية، والذي يستمر في النمو بمرور الوقت وتزايد الخبرات.[32] وتنظم وتفسر النماذج الداخلية السلوك الخاص بالتعلق في الذات ورمز التعلق وتتنبأ به. وتنشأ النماذج الداخلية عن التغييرات البيئية والتنموية، فهي تدمج القدرة على عكس ووصل علاقات التعلق بين الماضي والمستقبل،[1] حيث تساعد الطفل على توجية أنماط جديدة من التفاعل الاجتماعي، مثل معرفة أن الرضيع يجب أن يُعامل معاملة تختلف عن الطفل الكبير؛ أو أن المعاملة مع ولي الأمر أو المعلم لها نفس الخصائص. تستمر هذه النماذج في التطور والنمو خلال مرحلة البلوغ، لمساعدته في التعامل مع الصداقات والزواج والأبوة وكل المواقف التي تحمل مختلف السلوكيات والمشاعر.[32][33] ويُعد التطور بمثابة عملية تفاعل شخصي داخل منظور التعلق. ويُمكن التنبؤ ببعض سلوكيات التعلق حيث يظهر تآصلها فيه من خلال بعض سلوكيات الطفولة. وتتغير هذه السلوكيات بتغير السن، فتكون جزء منها عن طريق الخبرات، وجزء آخر من خلال المواقف.[34] وكما تتغير سلوكيات التعلق بتغير السن، تتغير أيضًا بالطرق التي تشكلها العلاقات. ولا يُعرف سلوك الطفل عندما يُلم شمله مع مُقدم الرعاية من كيفية معاملة مُقدم الرعاية للطفل فحسب، بل أيضًا من خلال تاريخ تأثيرات الطفل على مُقدم الرعاية.[35][36]
تغيرات تصاحب التعلق خلال مراحل الطفولة والمراهقةعدل
يُحسن السن والنمو المعرفي والخبرات الاجتماعية المستمرة من تطوير وتعقيد نموذج العمل الداخلي لدى الفرد. فيما تفقد السلوكيات المرتبطة بالتعلق بعض الخصائص المميزة لها كما في مرحلة الرضاعة والطفولة، وتتخذ صفة ميول مرتبطة بالسن، حيث تتضمن مرحلة ما قبل المدرسة استخدام الطفل أساليب التفاوض والمساومة.[37] وعلى سبيل المثال، لا يُصاب الطفل ذو الأربع سنوات بالإحباط والاكتئاب كنتيجة للانفصال إذا تشارك مع مُقدم الرعاية في وضع خطة محددة للانفصال والعودة.[38]
يُصبح الأقران ذوات أهمية في منتصف مرحلة الطفولة ويكون لهم تأثير مميز عن تأثير الآباء.
وبطريقة ذهنية، أصبحت هذه السلوكيات مدمجة في نموذج العمل الداخلي لاستخدامها مع الأطفال والبالغين بعد ذلك. وبانتقال الطفل إلى سنوات الدراسة، تقريبًا في سن السادسة، يُطور معظم الأطفال عملية شراكة متبادلة مع الآباء. وفيها يحاول كل طرف الوصول إلى حل وسط للحفاظ على علاقة مُرضية.[37] وفي منتصف الطفولة، يتغير هدف منظومة التعلق السلوكي من القرب من رمز التعلق إلى مدى إتاحته ووجوده. وبشكل عام، يُقنع الطفل بالانفصال الطويل أو الاتصال المشروط إذا أتيح له، أو إمكانية لم الشمل الجسدي إذا لزم الأمر. وبتتابع الأمر، تنخفض سلوكيات التعلق مثل التشبث والاتباع ويزداد الاعتماد على النفس.[39] ومن المحتمل في منتصف مرحلة الطفولة، فيما بين عامه السابع والحادي عشر، حدوث تحول نحو النظام المتبادل في التواصل مع مُقدم الرعاية، وفيها يتم التفاوض بين مُقدم الرعاية والطفل بغية إيجاد طرق للحفاظ على التواصل والإشراف بطريقة ودية، بينما يسير الطفل نحو درجة أكبر من الاستقلالية.[37]
في مرحلة الطفولة المبكرة، يظل الآباء مركز عالم الطفل الاجتماعي، حتى ولو أنهم يقضون وقت أطول في مؤسسات الرعاية البديلة. ويقل هذا تدريجيًا، ولاسيما عند دخول الطفل مرحلة الدراسة.[39] ويتم تقييم نماذج التعلق عند الأطفال الصغار فيما يتعلق بأفراد معينين، مثل الآباء أو مُقدمي الرعاية الآخرين، ويبدو أن هناك ثمة أمر ما يقيد تفكيرهم، مما يحد بدوره من قدرتهم على دمج خبرات العلاقات في نموذج عام واحد. عادة ما يبدأ الطفل بتطوير نموذج عام واحد من علاقات التعلق خلال المراهقة، على الرغم من إمكانية حدوثة في الطفولة المتوسطة.[39]
تلعب علاقات الأقران دورًا مؤثرًا وملموسًا على الطفل أكثر من علاقات الآباء بالطفل، حيث أن الأخيرة تُؤثر على تكوين علاقات الأقران عند الطفل.[12] وتُشير الدلائل أن الأقران لا يصبحون رمزًا للتعلق، على الرغم من أهميتهم في الطفولة المتوسطة، لكن ربما يواجه الأطفال سلوك التعلق إذا لم يتواجد الآباء.[39] ويكون دور الآباء منصبًا على التواجد مع الأبناء في مرحلة المراهقة عند الحاجة، بينما يقوم المراهق برحلاته القصيرة في العالم الخارجي.[40]
أنماط التعلقعدل
الكثير من نظرية التعلق شكلتها مناهج ماري أينسورث الابتكارية والدراسات القائمة على الملاحظة، والتي تم مباشرتها بدقة في اسكتلنداوأوغندا. وأدى عمل أينسورث إلى توسيع نطاق مفاهيم النظرية وتمكين الاختبار التجريبي من المبادئ التي يسير على نهجها.[8] أجرت أينسورث بحثًا يعتمد على الملاحظة على زوج من أب وطفل خلال السنة الأولى للطفل، اعتمادًا على صياغة بولبي الأولية للنظرية، بحيث تشمل زيارات منزلية مطولة مع دراية بالسلوكيات في مواقف معينة. وتم نشر هذا البحث مبكرًا عام 1967 في كتاب عنوانهالطفولة في أوغندا.[8] حددت أينسورث ثلاثة أنواع نمطية يمارسها الطفل مع رموز التعلق: آمن، غير آمن/انطوائي (غير آمن) وقلق/مضطرب (غير آمن).[41] ابتكرت أينسورث إجراءًا عُرف ببروتوكول الموقف الغريب[3][42] كجزء من دراستها الأكبر، لتقييم سلوك الانفصال والعودة.[43] وتُعد هي وحدة القياس الموحدة لتقييم أنماط التعلق عند الأطفال والرضع. ويُظهر الإجراء كيف يستخدم الطفل مُقدم الرعاية كمصدر للآمان،[44] عبر خلقه ضغط صُمم لتفعيل سلوك التعلق عند الطفل. ويتم وضع مُقدم الرعاية والطفل في غرفة للعب غير مألوفة، بينما يُسجل الباحث سلوكيات معينة، وتتم الملاحظة من خلال مرآة أحادية الاتجاه. وفي ثماني مقابلات مختلفة، يتم اختبار الطفل عند الانفصال والعودة عن مُقدم الرعاية، وفي حضور شخص غير مألوف.[43]
جذبت أعمال أينسورث العديد من الدارسين في الولايات المتحدة إلى مجال البحث ذاته، حيث تحدت هيمنة السلوكية.[45] فقامت ماري مين بالعديد من الأبحاث مع زملائها في جامعة كاليفورنيا، لتعريف نمط رابع للتعلق، أسموه التعلق المشوش أو غير المنتظم. ويعكس هذا الاسم فقر هؤلاء الأطفال إلى إستراتيجية التفاعل المترابط.[46]
يتطور التعلق اعتمادًا على نوعية الرعاية التي يتلقاها الطفل.[47] ويضم كل نمط من أنماط التعلق خصائص معينة من السلوكيات،[48] كما هو موضح في الجدول التالي.
أنماط سلوك الطفل ومُقدم الرعاية قبل سن الثمانية عشر شهرًا[43][46]نمط التعلقالطفلمُقدم الرعايةآمنيُستخدم مُقدم الرعاية كقاعدة آمنة للاستكشاف، وينزعج عند مغادرة مُقدم الرعاية ويسعى للبقاء بالقرب منه، ويشعر بالارتياح عند عودته، ويعود للاستكشاف. ربما يشعر بارتياح مع شخص غريب، لكنه يُظهر ميل واضح لمُقدم الرعاية.يستجيب بشكل مناسب، وعلى وجة السرعة بانتظام لاحتياجاته. ينجح في تكوين علاقة تعلق أبوي آمن مع الطفل.غير آمن/انطوائيقليل الميل إلى اللعب. اعتراضه على مغادرة أو عودة مُقدم الرعاية قليلة أو معدومة. يظهر تجاهلًا أو يُعرض عن مُقدم الرعاية مع عدم بذل أي جهد للحفاظ على التواصل معه إن وجد. يُعامل الغريب كمُقدم الرعاية. يشعر الطفل بعدم وجود تعلق؛ فيصبح متمردًا وتنخفض لديه الصورة الذاتية واحترام الذات.قليل أو عديم الاستجابة لقلق الطفل. لا يشجع على البكاء ويشجع على الاستقلالية.قلق/ مضطربغير قادر على استخدام مُقدم الرعاية كقاعدة آمنة، يسعى إلى التقرب قبل حدوث الانفصال. يحزن عند الانفصال مع تناقض وغضب، ويُصاحب ذلك الإعراض عن مُقدم الرعاية وعن اللعب. ينشغل بوجود مُقدم الرعاية، يسعى للاتصال، لكنه يُقاوم بغضب عندما يتحقق ذلك. لا يُمكن لأي غريب تهدئته بسهولة. في هذه العلاقة، يشعر الطفل دائمًا بالقلق لأن وجود مُقدم الرعاية غير متسق.غير منتظم بين الاستجابات المناسبة والإهمال. بشكل عام، لا يستجيب إلا بعد زيادة سلوك التعلق عند الطفل.مشوش/غير منتظمله سلوكيات معينة عند عودة مُقدم الرعاية مثل التصلب أو التجمد. يظهر لديه فقدان إستراتيجية التعلق المترابط عن طريق التناقض، وسلوكيات التشوش مثل العودة إلى الوراء عند الاقتراب.مخيف أو يُصدر سلوكيات مخيفة مثل التدخل والانسحاب والسلبية، أخطاء في التواصل وسوء المعاملة مع الطفل.
يختلف وجود التعلق عن نوعيته. يُكون الأطفال التعلقات إذا كان هناك من يتفاعل معهم حتى إذا تم التعامل معهم بطريقة خاطئة. وتعكس الفروق الفردية في العلاقات تاريخ الرعاية بالطفل، حيث يبدأ الطفل في توقع سلوك مُقدم الرعاية من خلال تكرار التعاملات.[49] ويكون التركيز على تنظيم أنماط التعلق أكثر من مقدار سلوكيات التعلق. بشكل عام، ليست أنماط التعلق الآمن هي الأفضل لأنها تعمل على التخلي عن الاستكشاف، والثقة بالذات، والسيطرة على البيئة. فيما تُعد الأنماط غير الآمنة تكيفية أيضًا، لكونها استجابة ملائمة لعدم استجابة مُقدم الرعاية.[49]
يمكن تصنيف حوالي 65% من إجمالي الأطفال تحت نمط التعلق الآمن، فيما يُوزع 35% بين التصنيفات غير الآمنة.[50] يسعى البحث التجريبي إلى اكتشاف مدى تنبؤ الآباء بتصنيفات أبناءهم. ووُجد أن تصورات الوالدين عن علاقات التعلق الخاصة بهما في الطفولة مسئولة عن التنبؤ بتصنيفات أبنائهم بنسبة 75%.[51][52][53]
ارتفعت نسبة استقرار تصنيفات التعلق على المدى القصير، ولكنها أصبحت أقل بمرور وقت أطول.[12] ويبدو أن الثبات في التصنيفات متصل بالثبات في شروط تقديم الرعاية. بيد أن الضغوط الاجتماعية أو أحداث الحياة السلبية مثل المرض والموتوالطلاق وسوء المعاملة تكون لها صلة باستقرار أنماط التعلق من الطفولة إلى البلوغ المبكر، وبدقة أكثر من الآمن إلى غير الآمن.[54] وعلى العكس، فإن هذه الصعوبات قد تعكس أحيانًا اضطرابات معينة في حياة الناس، والتي يُمكن أن تتغير. في بعض الأحيان، تتغير استجابات الآباء مع نمو الطفل، مما قد يغير التصنيف من غير آمن إلى آمن. يمكن القيام بتغييرات أساسية، وتظهر جلية بعد مرور المرحلة المبكرة الحرجة.[55] وتكون نسبة تطور التعلق الآمن لدى الأطفال المهملين والذين يساء معاملتهم جسديًا أقل، ويجعلهم التصنيف غير الآمن أكثر ميلًا للعناد خلال سنوات ما قبل الدراسة. يرتبط الإهمال وحده بأنماط التعلق غير الآمن، وتتصاعد معدلات التعلق غير المنتظم بدرجة ملحوظة بين الأطفال الذين يساء معاملتهم.[47]
تعقد الوضع بسبب الصعوبات في تقييم تصنيفات التعلق عند الفئات العمرية الأكبر سنًا. ويمكن تطبيق إجراء الموقف الغريب فقط على الأطفال ما بين 12 إلى 18 شهرًا؛[12] وهناك قوالب للأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة.[56] لقد تم تطوير أساليب التي تسمح بالاستكشاف الشفهي للقدرة العقلية للطفل فيما يتعلق بالتعلق. ومن أمثلة ذلك تقنية جذر القصة، وفيها يتم إعطاء الطفل بداية لقصة ما والتي تثير قضايا التعلق ويُطلب منه أن يضع لها نهاية. تستخدم المقابلات شبة المنظمة مع الأطفال الكبار والمراهقين والبالغين، التي تعتمد على أسلوب تبديل المحتوى، والذي لا يقل أهمية عن المحتوى نفسه.[12] مع ذلك، لا توجد مقاييس ثابتة للتعلق في مراحل الطفولة المتوسطة والمراهقة المبكرة، والتي تكون تقريبًا من 7 إلى 13 عامًا.[56]
شكك بعض الكتاب في فكرة أن علم التصنيف الطبقي يُمكن تطويره، والذي يقدم اختلاف نوعي في علاقات التعلق. وقد أظهرت دراسة على 1.139 طفلًا في عمر الـ 15 أشهر أن التنوع في استمرارية أنماط التعلق أفضل من تجميعها.[57] ويقدم هذا النقد تساؤلات هامة حول التصنيف النوعي وآليات الأنواع الظاهرة. مع ذلك، فإن لهذا النقد صلة قليلة نسبيًا بنظرية التعلق نفسها، والذي لا يتطلب ولا يتوقع أنماط منفصلة من التعلق.[58]
مفهوم أنماط التعلقعدل
هناك مجموعة موسعة من الأبحاث تشرح وجود علاقة هامة بين أنماط التعلق وعمل الطفل في مختلف المجالات.[47] ليست بالضرورة أن يتنبأ التعلق المبكر غير الآمن بالصعوبات، لأنه يمكن حدوثها بالفعل للطفل، خاصة إذا استمرت السلوكيات الأبوية مع الطفل خلال مرحلة الطفولة.[55] بالمقارنة مع الطفل المتعلق بأمان، يبدو أن توافق الطفل غير الآمن مع كثير من مجالات الحياة ليس قائمًا على أسس سليمة، مما يضع علاقته المستقبلية في خطر. على الرغم من أن هذه العلاقة لم يتم التوصل إليها بالبحث، ويتضح أن هناك تأثيرات أخرى إلى جانب التعلق، ويبدو أن الأطفال الآمنين هم الأكثر ملائمة ليكونوا مؤهلين اجتماعيًا من أقرانهم غير الآمنين. يجعل تأثير العلاقات المكونة مع الأقران الطفل أكثر قابلية لاكتساب مهارات اجتماعية، مع تنميته الفكرية وتشكيل هويته الاجتماعية. وقد وُجد أن تصنيف حالات أقران الأطفال، مثل الاجتماعي والمتجاهل أو المرفوض، يُنبىء بالتطورات اللاحقة.[12] ويُعد الأطفال غير الآمنين، خاصة الانطوائيين، هم أكثر عرضة لمخاطر الأسرة، حيث تزداد مشاكلهم السلوكية والاجتماعية أو تنخفض مع تدهور أو تطور المعاملة الأبوية. وبذلك، يبدو التعلق الآمن المبكر وكأنه يلعب وظيفة الحماية الدائمة.[59] ربما تُؤدي الخبرات المتكررة في التعلق مع رموز الأبوة إلى تغير مسار التنمية عند الطفل.[12]
يُعد التعلق غير المنتظم هو النمط الأكثر أهمية،[60]حيث أن هناك نسبة 800% من الأطفال الذين أُسيء معاملتهم هم أقرب إلى التصنيف ضمن التعلق غير المنتظم، وعلى العكس، فإن هناك نسبة 12% لنماذج لم يتم الإساءة إليهم. فيما صُنف نسبة 15% فقط ممن أُسيء معاملتهم ضمن التصنيف الآمن. ويميل الأطفال في التعلق غير المنتظم إلى إظهار اضطراب ملحوظ في أنماط العلاقات في الطفولة. ويُمكن وصف علاقاتهم اللاحقة مع الأقران بنمط المكافحة أو الهروب من العنف والعزلة المتبادلة. عادة ما يُؤدي سوء معاملة الأطفال إلى سوء معاملة الوالدين فيما بعد. ويصل أقلية من الأطفال الذين أُسيء معاملتهم إلى نمط التعلق الآمن، حيث العلاقات الجيدة مع أقرانهم، وعدم الإساءة في معاملة آبائهم.[12] تُعتبر العلاقة بين التعلق الآمن، خاصة النمط غير المنتظم، ونشأة علم نفس الأمراض في الطفولة قوية جدًا، على الرغم من عدم تمثيله خطرًا محددًا على مشاكل المستقبل ولا على علم الأمراض ولا سببًا مباشرًا مع علم الأمراض.[47] يبدو الطفل المشوش، داخل غرفة الدراسة، وكأنه في مهمة خطرة ليبطن اضطراباته، ويُظهر الأطفال الانطوائيين وغير المنتظمين اضطراباتهم.[59]
ربما تُوجد أحد تفسيرات تأثير تصنيفات التعلق في تقنية نموذج العمل الداخلي،[41] حيث أن نماذج العمل ليست فقط صورًا بل أيضًا تُشير إلى العواطف المثارة، فهي تمكن الشخص من توقع وتفسير سلوكيات الآخرين ووضع رد فعل مناسب. إذا أعتاد الطفل على أن مُقدم الرعاية هو مصدر الأمان والدعم، يُصبح قادرًا على تطوير صورة الذات بصورة إيجابية ويتوقع ردود فعل إيجابية من الآخرين. على النقيض، فإن الطفل المعرض لسوء معاملة مع مُقدم الرعاية ربما يُبطن صورة سلبية عن الذات ويُعمم توقعات سلبية في العلاقات الأخرى. تُظهر نماذج العمل الداخلية التي يعتمد عليها سلوك التعلق درجة الاستمرارية والاستقرار. يُمكن أن يقع الأطفال تحت التصنيف نفسه تبعًا لمُقدمي الرعاية الأساسيين، حيث أن نماذج العمل الداخلية لدى مُقدمي الرعاية تؤثر على طريقة العلاقة مع الأطفال. وقد لوحظ أن هذا التأثير يستمر خلال ثلاثة أجيال. يعتقد بولبي أن النماذج المبكرة المتكونة هي أكثر صمودًا لوجودها في اللا وعي. ومع ذلك، فإن هذه النماذج تُعد مُغلقة وغير قابلة لتغيير خبرات العلاقات اللاحقة. وهناك أقلية من الأطفال لديها تصنيفات تعلق مختلفة مع مُقدمي رعاية مختلفين.[12]
هناك بعض الدلائل التي تُشير إلى أن اختلاف الجنس في أنماط التعلق له أهمية في التكيف، والتي تبدأ في الظهور في الطفولة المتوسطة. يؤؤل التعلق غير الآمن والضغط النفسي الاجتماعي المبكر إلى وجود خطر بيئي مثل الفقر والأمراض الجسدية وحالات القصور والعنف. ويُمكن أن يرجع الفضل في تطور الإستراتيجيات إلى الإنجاب المبكر. مع ذلك، فإن الأنماط المختلفة لها أهمية تكيفية للذكور والإناث على حد سواء. تميل الذكور غير الآمنة إلى اتخاذ أنماط الانطوائية، فيما تميل الإناث غير الآمنة إلى اتخاذ أنماط القلق المضطرب، إذا لم يكُنّ في بيئة شديدة الخطر. عرض عنفوان التكظر باعتباره تقنية هرمونية مسؤلة عن إعادة تنظيم التعلق غير الآمن في الطفولة المتوسطة.[61][62]
التعلق عند البالغينعدل
اتسعت نظرية التعلق لتشمل العلاقات العاطفية عند البالغين في أواخر الثمانينات بواسطة سيندي هازان[63] وفيليب شيفر.[64][65] وتم تعريف أربعة أنواع من التعلق عند البالغين: آمن، غير آمن/مضطرب، قلق/انطوائي، غير منتظم/مشوش.[66] وتتوافق هذه الأنماط بشدة مع تصنيفات أنماط التعلق عند الأطفال: آمن، قلق/مضطرب، غير آمن/انطوائي، مشوش/غير منتظم.[67]
تتوافق أنماط التعلق في العلاقات العاطفية عند البالغين بشدة مع أنماط التعلق عند الأطفال، لكن البالغين يمكنهم حمل نماذج عمل داخلية مختلفة لمختلف العلاقات.
يميل البالغون المتعلقون تعلقًا آمنًا إلى اتخاذ فكرة إيجابية عن أنفسهم، وعن شركائهم وعلاقاتهم.[68] فهم يشعرون بالراحة عند تحقق التوازن بين الحميمية والاستقلالية. يسعى البالغ في التعلق القلق/المضطرب إلى بلوغ مستوى عالٍ من الحميمية والاستحسان والاستجابة الكلية من الشريك، ويُصبح معتمد عليه بشكل مفرط. فهو يميل إلى قلة الثقة واتخاذ أفكار إيجابية أقل عن ذاته وعن شريكه، فربما يظهر درجات عالية من التعبير العاطفي والقلق والاندفاع في علاقته، بينما في حالة التعلق الرافض/الانطوائي يسعى البالغ إلى الوصول لدرجة كبيرة من الاستقلالية، وعادة ما يظهر تجنبًا تامًا للتعلق. وعادة ما يشعر بالاكتفاء الذاتي، ويرى نفسه محصنًا ضد مشاعر القلق، وبأنه لا يحتاج إلى علاقات حميمة. فهم يميلون إلى كبت مشاعرهم، وعادة ما يبتعدون عن شركائهم باستخدام أسباب واهية. يظهر في البالغين ذوي التعلق القلق/الانطوائي مشاعر مختلطة عن العلاقات الحميمة، فهم لا يشعرون بالراحة عند التقارب العاطفي، فهم يميلون إلى عدم الوثوق في شركائهم ويرون أنفسهم عديمي القيمة، ومثله مثل التعلق الرافض/الانطوائي، يميل بالغو التعلق القلق/الانطوائي إلى كبت مشاعرهم والسعي إلى بلوغ درجة أقل من التقارب العاطفي الحميمي.[10][69][70][71]
تمت دراسة جانبين أساسيين في نظرية التعلق عند البالغين. وهم تنظيم واستقرار نماذج العمل الذهنية التي تعتمد عليها أنماط التعلق، والتي اكتشفها علماء النفس الاجتماعيين المهتمين بالتعلق العاطفي.[72][73][74] يهتم علماء النفس التطوري بالحالة الذهنية للفرد فيما يتعلق بالتعلق عمومًا، والذي يستكشف كيفية تأثير التعلق على سير العلاقات ونتائج تأثيرات العلاقة. ويُعد التنظيم في نماذج العمل الذهنية أكثر استقرارًا، بينما تكون الحالة العقلية متقلبة فيما يتعلق بالتعلق. ناقش بعض الكًتاب أن البالغين لا يحملون نموذجًا واحدًا فقط من نماذج العمل. عوضًا عن ذلك، فهم لديهم قواعد أساسية عن علاقات التعلق عمومًا. على صعيد آخر، فهم يحملون المعلومات عن علاقات معينة أو أحداث العلاقات، وهذه المعلومات يجب أن تكون متسقة على مختلف الأحوال. يمكن للأفراد، بعد ذلك، حمل عدة نماذج من العمل الداخلي للعلاقات المختلفة.[74][75][76]
هناك عدة قياسات مختلفة لتعلق البالغين، والقياس الأكثر شيوعًا هو استبيان تقرير شخصي وجلسات مشفرة معتمدة على الجلسات مع البالغ. تم تطوير القياسات مبدئيًا كأداة بحث لعدة أغراض وعنونة مجالات مختلفة، فعلى سبيل المثال، تُوجد العلاقات العاطفية والعلاقات الأبوية أو علاقات الأقران. ويُصنف البعض الحالة العقلية للبالغ فيما يتعلق بالتعلق وأنماط التعلق بالإشارة إلى خبرات الطفولة، بينما يقيم آخرون سلوكيات العلاقة والأمان فيما يتعلق بالآباء والأقران.[77]
تاريخ النظريات التي استمدت منها نظرية التعلق
تطورات حديثة
الطبيعة البيولوجية للتعلق
التطبيق العملي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق