افتح القائمة الرئيسية
ابحث
عدلراقب هذه الصفحةاقرأ بلغة أخرى
الخيمياء والكيمياء في عصر الحضارة الإسلامية
يقول الخوارزمي في كتابه مفاتيح العلوم:
اسم هذه الصناعة، الكيمياء، وهو عربي، واشتقاقه من، كمي يكمى، إذا ستر وأخفى، ويقال، كمى الشهادة يكميها، إذا كتمها.
أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي.
وتدل هذه التسمية على دراسة كل من الخيمياء(الكيمياء القديمة) والكيمياء العملية الحديثة من قبل العلماء المسلمين والعالم الإسلامي خلال القرون الوسطى. وكلمة خيمياء (بالإنجليزية: Alchemy) نفسها مستمدة من الكلمة العربية "الكيمياء".
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، انتقل وتركز التطوير الكيميائي في الإمبراطورية العربية والحضارة الإسلامية. إن الكثير مما هو معروف عن الخيمياء الإسلامية أتى في الحقيقة من الكتابات المنحدرة عبر السنين والمحفوظة كترجمات عربية.[1] كثيرًا ما تداخلت دراسة الخيمياءوالكيمياء في العهود الأولى من عمر العالم الإسلامي، ولكن كانت هناك في وقت لاحق نزاعات بين الخيميائيين التقليديين والكيميائيين العمليين الذين رفضوا تصديق الخيمياء. كان الكيميائيون والخيميائيون المسلمون أول من استخدم المنهج العلمي التجريبي (كما يمارس في الكيمياء الحديثة)، في حين أن الخيميائيين المسلمين وضعوا نظريات عن تحويل الفلزات، وحجر الفلاسفة، والتكوين (حياة اصطناعية للحياة في المختبر)، كما هو الحال بالنسبة للخيمياء في القرون الوسطى في أوروبا، على الرغم من أن هذه النظريات الخيميائية رفضت من قبل الكيميائيين المسلمين العمليين في القرن التاسع وما بعده.
وقد عرف المسلمون أعمال الخيميائيين المكتوبة باليونانية، وكانت في الغالب معنية بالمعادن ولاسيما بمحاولة إنتاج الذهب من فلزات خسيسة، أو بفكرة إطالة العمر والمحافظة على الشباب. وخلال القرن الثامن الميلادي برزت شخصية جابر بن حيان(حوالي سنة 815 م)، والذي يُعد أعظم الخيميائيين العرب، وينسب إليه نحو خمسمائة كتاب يتناول الكثير منها الموضوعين المذكورين، وإنتاج الذهب، وإطالة العمر. واشتهر بعد جابر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور ذو المقدرة العقلية الفائقة، وهو الذي تحول من الخيمياء النظرية إلى الكيمياء العملية، كما يتجلى في كتابه «الأسرار» الذي يكشف عن إنكاره لمحاولات من عاصره من الجابريين إنتاج الذهب والفضة أو إطالة العمر. وأشهر المؤلفات الكيميائية بعد ذلك هي تلك المنسوبة للعالم الأندلسي مسلمة بن أحمد المجريطي(حوالي سنة 1008 م)، ثم كتاب أيدمر الجلدكي المصري (قرابة سنة 1342 م). وكانت كل هذه الكتب المعتمد الأساسي للأوربيين حتى شطر كبير من العصر الحديث.[2]
وكان الرازي قد شرح في كتابه «الأسرار» ما كان يستعمله في معمله من مواد وأجهزة وآلات انتقل الكثير منها في الترجمات الأوروبية بأسمائها العربية. وأما العمليات التي كان يجريها فتشمل التقطيروالتكليس والتذويب والتبخير والبلورة والتصعيدوالترشيح والتشميع. وفيما يتعلق بالكيمياء الصناعية يتبين أن العرب وصلوا قبل الأوروبيين بقرون إلى تقطير الكحول واستخلاص مختلف أنواع الزيوت وصناعات العطور واستخراج النفط وتكريره قبل أن يحظى بأهميته العالمية، وتحضير الحوامضوالقلويات.[2]
المساهمات في الخيمياء
بدايات الكيمياء
الميراث
العمليات الكيميائية
الأجهزة المخبرية
المواد الكيميائية
كيمياء النسيجعدل
مقالة مفصلة: الأصبغة في العصر الإسلامي
كانت الصباغة من الصناعات المهمة والاختصاصية، والمرتبطة بشكل وثيق ومباشر بصناعة النسيج. وقد بقيت الأصبغة الطبيعية المستخرجة من الحيواناتوالنباتات هي الأصبغة الوحيدة المتوفرة حتى اكتشاف الأصبغة التركيبية في القرن التاسع عشر، ومن الأصبغة التي كانت رائجة ومستخدمة: الحمراء، الزرقاء، الصفراء، الخضراء، الأرجوانية، والسوداء.
الصناعات الكيميائيةعدل
صناعة الخزف والفخارعدل
طبق خزفي مزجج مصنوع على الطراز العربي الأندلسي، من إسبانيا قرابة عام 1475.
لقد كان استخدام الخزف المزجج سائدًا في الفن الإسلامي من القرن الثامن وحتى القرن الثامن عشر. وعادة ما كانت تتخذ شكلاً من أشكال الفخارالمصقول.[46] وقد كان تعتيم الخزف باستعمالأكسيد القصدير، هو إحدى التقنيات الجديدة التي طورها الخزافون المسلمون. وأول خزف معتم وجد في البصرة وهو ملون باللون الأزرق. ويعود تاريخه إلى القرن الثامن. والمساهمة الكبيرة الأخرى كانت تطوير الخزف المطعم بالإحجار، ويعود إلى القرن التاسع في العراق.[47] وأول مجمع صناعي لإنتاج الزجاج والخزف كان في مدينة الرقة، في سورية، في القرن الثامن.[48] وقد أقيمت مراكز أخرى لصناعة الخزف والفخار في العالم الإسلامي، بما فيها الفسطاط (من سنة 975 إلى سنة 1075م)، ودمشق(من سنة 1100 إلى قرابة عام 1600م) وتبريز (من سنة 1470 إلى سنة 1550م).[49]
قام جابر بن حيان باختراع الأوان الخزفية المصقولة وذلك في العراق في القرن الثامن خلال عهد الخلافة العباسية.[50][51] الابتكار الآخر أيضًا هو "الباريلو"، وهو آنية خزفية مصممة أصلا لوضع المراهم الصيدلانية والأدوية الجافة. وقد تم تطوير هذا النوع من الأواني الصيدلانية في الشرق الأوسط الإسلامي. وقد أحضر إلى إيطاليا من قبل تجارالأندلس، وبدأ إنتاج أولى النماذج الإيطالية فيفلورنسا في القرن الخامس عشر.
ظهر الطراز العربي الأندلسي في الأندلس خلال القرن الثامن، تحت حكم الفاطميين. وكان هذا الطراز من الفخار الإسلامي قد ابتدئ تصنيعه في الأندلس، بعدما أدخل المسلمون تقنيتين في الخزف إلى أوروبا، وهما التزجيج باستخدام خزف معتم بالقصدير، والطلاء بطبقة معدنية لماعة. وقد كانت الخزفيات الإسلامية الأندلسية متميزة عن تلك المسيحية بطابعها وزخرفتها الإسلامية.[52]
صناعة الجبن والغراءعدل
وصف جابر بن حيان في كتابه اللؤلؤة المكنونة، الوصفات الأولى لصناعة الغراء من الجبن.[53]
النفط والمنتجات البتروليةعدل
لقد كانت شوارع بغداد أول ما رصف في القرن الثامن باستخدام القار المستخرج من النفط عن طريق التقطير الإتلافي. وفي القرن التاسع، تم استغلال حقول النفط في المنطقة المحيطة بمدينةباكو الحديثة في أذربيجان، لإنتاج النفط الخفيف(النافثا). وُصفت هذه الحقول من قبل المسعوديفي القرن العاشر، ومن قبل ماركو بولو في القرن الثالث عشر، الذي قال أن حصيلة آبار النفط هذه تصل إلى مئات من حمولات السفن.[21]
كان الكيميائيون المسلمون أول من أنتج البنزين منالنفط الخام، وذلك باستخدام عملية التقطير.[54]
وقد أنتج الكيروسين بتقطير النفط، وكان أول من وصف العملية هو الرازي في القرن التاسع في بغداد. ففي كتاب الأسرار، وصف طريقتان لإنتاجالكيروسين. فالطريقة الأولى تستخدم الصلصالبوصفه مادة ماصة، بينما تستخدم الطريقة الأخرىكلوريد الأمونيوم (ملح النشادر). وقد وصف الرازي أيضًا مصابيح الكيروسين التي كانت تستخدمللتدفئة والإنارة في كتابه المسمى "كتاب الأسرار".[55]
وقد كان ابن سينا أول من أنتج الزيوت العطرية في مطلع القرن الحادي عشر، باستخدام التقطير بالبخار، لاستعمالها في طب الروائح والمشروباتوالعطارة.[28]
ماء الوردعدل
ماء الورد أنتج أول ما أنتج من قبل الكيميائيين المسلمين من خلال تقطير الورود، لاستخدامه في المشروبات والعطارة.[26]
صناعة المشروباتعدل
القهوةعدل
كان العربي خالد يرعى عنزاته في كافا في إثيوبيا، عندما لاحظ أن حيواناته قد أصبحت في غاية النشاط بعد أكلها أحد أنواع التوت. قام خالد بغلي هذا التوت فصنع منه أول قهوة. ومما هو مؤكد، أن أول توثيق لهذا الشراب كان عند تصدير بعض حبوب البن من اليمن إلى إثيوبيا، حيث كان متعبديالصوفية يشربون منه ليبقوا مستيقظين طوال الليلللصلاة في المناسبات الخاصة. وبحلول أواخر القرن الخامس عشر، وصلت هذه الحبوب إلى مكة المكرمةوتركيا حيث وجدت طريقها إلى مدينة البندقية في سنة 1645م. وجُلبت إلى إنكلترا في سنة 1650ممن قبل اليوناني باسكوا روزي الذي افتتح أول مقهى في شارع لومبارد في مدينة لندن. ويُشتق اسم القهوة باللغة التركية "kahvee"، وباللغةالإيطالية "caffèè" من اسمها العربي، وكذلك الحال بالنسبة لاسمها باللغة الإنكليزية "coffeee"، إلا أنه اشتقاق غير مباشر، إذ أن هذا الاسم يُشتق من الاسم الإيطالي المشتق من الاسم العربي.[11][56]
الماء المقطر والمنقىعدل
إن الكيميائيين المسلمين هم أول من أنتج الماء المقطر والماء المنقى، المستخدمين في أنظمة توريد المياه ومن أجل الرحلات الطويلة عبر الصحاري، حيث تكون مصادر الماء غير مضمونة.[29]
الشرابعدل
طور المسلمون مجموعة متنوعة من العصائر لصنع شرابهم، ومنها أتت كلمة "sorbetto" باللغة الإيطالية، و"sorbet" باللغة الفرنسية و"sherbet"باللغة الإنكليزية. وقد حوت المصادر العديدة من القرون الوسطى الإسلامية على العديد من وصفات الشراب الذي يمكن إبقاؤه خارج الثلاجة طيلة أسابيع أو أشهر.[57][58]
صناعة الزجاجعدل
مصانع الزجاجعدل
أول مجمع صناعي لإنتاج الزجاج والخزف كان في مدينة الرقة السورية في القرن الثامن الميلادي. كانت العديد من التجارب تجري في ذاك المجمع، الذي كان يصل في طوله إلى كيلومترين، لتطوير زجاج عالي النقاوة. تم اكتشاف موقعين مماثلين لهذا المجمع، وكان مجموع تلك المواقع الثلاث ينتج الزجاج بطرق كيميائية مختلفة تصل إلى ثلاثمائة طريقة.[48]
إن أول مصانع الزجاج كانت منشأة في العالم الإسلامي بأيدي عمال مسلمين في القرن الثامن، في حين أن مصانع الزجاج في أوروبا بُنيت لاحقاً في القرن الحادي عشر على أيدي حرفيين مصريين فمن مدينة كورنث اليونانية.[26]
الزجاج الصافي الشفاف عالي النقاوةعدل
إن أقدم نماذج الزجاج الصافي الشفاف عالي النقاوة أنتجت من قبل المسلمين في القرن التاسع الميلادي، ومثال ذلك زجاج الكوارتز المنصهر، الذي اخترع من قبل عباس بن فرناس.
نوافذ بزجاج معشق ملون في مسجد ناصر الملا في مدينة شيراز في إيران.
الزجاج الملون والمعشقعدل
تم إنتاج الزجاج المعشق لأول مرة من قبلالمعماريين المسلمين في جنوب غرب آسيا باستعمال الزجاج الملون بدل الحجارة (التحجير). في القرن الثامن وصف العالم الكيميائي جابر بن حيان في كتابه "الدرة المكنونة" ستًا وأربعين طريقة لإنتاج الزجاج الملون، بالإضافة إلى اثني عشرة وصفة أخرى قام بكتابتها المراكشي في نسخ لاحقة من الكتاب.[59]
اللآلئ والأحجار الكريمةعدل
وصف جابر بن حيان في كتاب "الدرة المكنونة" أول طريقة أو وصفة لإنتاج اللؤلؤ الصناعي كما وصف طرق تنقية اللآلئ من الشوائب عند تغير لونها من البحر أو من الشحوم المختلفة.[53]
أما بالنسبة للأحجار الكريمة فقد وصف جابر أول طريقة لصباغة الأحجار الكريمة واللآلئ وتلوينها بلون اصطناعي،[53] كما وصف طريقة إنتاج الزجاج الملون عالي الجودة الذي كان يشذب إلى أحجار كريمة اصطناعية.[60]
المراياعدل
وصفت مرايا القطع المكافئ (مرايا على شكل قطع مكافئ) لأول مرة من قبل ابن سهل في كتابه "عن الأدوات الحارقة" في القرن العاشر الميلادي، كما وصفت لاحقاً من قبل ابن الهيثم في كتابه عن المرايا الحارقة وكتاب المناظر عام 1021.[61]
كما ناقش ابن الهيثم خواص المرايا المقعرة والمحدبة في الشكلين الأسطواني والكروي،[62]ووصف المرايا الكروية ومرايا القطع المكافئ،[63] وأجرى عدداً من التجارب على المرايا، وأوجد حلاً لمشكلة تحديد نقطة على مرآة محدبة، والتي ينعكس عليها الشعاع الوارد من نقطة إلى نقطة أخرى.[64]
وبحلول القرن الحادي عشر صُنعت المرايا من الزجاج النقي في الأندلس.[65]
زجاج الكوارتز والسيليكاعدل
إن زجاج الكوارتز والسيليكا الشفاف عالي النقاوة تم اختراعه من قبل عباس بن فرناس (810-8877)، الذي كان أول من أنتج الزجاج من الرمل والصخورمثل الكوارتز.[66]
الصناعة الصحيةعدل
مستحضرات التجميلعدل
لقد استخدمت مستحضرات التجميل منذ قديم الأزمان، ولكنها كانت أساسًا مخصصة للتجميل فقط وغالبًا ما كانت تستخدم فيها المواد السامة. لكن هذا تغير مع المسلمين العاملين في مستحضرات التجميل، الذين شددوا على النظافة، بسبب الاحتياجات الدينية، فاختراعوا مختلف المستحضرات الصحية والتجميلية والتي ماتزال تستخدم إلى اليوم.[67]
و في القرن التاسع، قام زرياب باختراع أول معجون أسنان، الذي شاع في جميع أنحاء الأندلس.[68] لا تُعرف حاليًا مكونات هذا المعجون على وجه الدقة،[69] لكن قيل أنه حقق على حد سواء "الوظيفية والطعم الجيد".[68] وبالنسبة للنساء، فقد افتتح صالون للتجميل أو "مدرسة للتجميل" بالقرب من قصر الخليفة القرطبي، حيث كان يتم تدريس النساء "استخدام مزيلات الشعر لإزالة شعر الجسد"، وتُعرض عطورًا ومستحضرات تجميل جديدة،[69]وتُقدم مزيلات روائح تحت الإبط.[70]
وفي كتاب الخواص الكبير لجابر بن حيان، أفرد إحدى المقالات لوصف "إزالة الشعر من الجسد".[71]
الصابونعدل
يُصنع الصابون من الزيوت النباتية (مثل زيت الزيتون)، والزيوت العطرية مثل (زيت الزعتر)والصودا الكاوية، وكان أول من أنتجه هم الكيميائيون المسلمون.[26] ونظرا للاحتياجات الدينية كالنظافة والغسل، فقد اخترعوا وصفة الصابون، التي لا تزال تستخدم حتى العصر الحالي.[11]
يعود تاريخ صناعة صابون الغار في حلب إلى ما قبل خمسة آلاف سنة، ولم تتغير طريقة صناعة الصابون بشكل كبير منذ ذلك الحين حيث لا زالت تحافظ على طريقة الإنتاج التقليدي شبه اليدوية مع بعض التطور مع مرور الزمن. وبدأً من القرن السابع، أنتج الصابون في نابلس بفلسطين، والكوفة والبصرةبالعراق. والصابون، كما يُعرف اليوم، ينحدر تاريخيًا من الصابون العربي. وقد كان الصابون العربي معطرًا وملونًا، في حين أن بعض أنواع الصابون كانت سائلة وبعض الأنواع كانت صلبة. كما صُنع صابون خاص للحلاقة. وقد بيعت القطعة تجاريًا بثلاثة دراهم في عام 981 الميلادي. لقد حوت مخطوطات الرازي على مختلف وصفات الصابون. وقد اكتشف مؤخرا مخطوطة من القرن الثالث عشر تعطي تفصيل أكبر عن وصفات صناعة الصابون، ومن تلك الوصفات على سبيل المثال: مزج بعض زيت السمسم، ونضح من البوتاس، بعض القلوي وبعض الجير، وغليها كلها وطهيها، ثم يتم صبها في قوالب وتترك لتجف وتتماسك، منتجة صابونًا جافًا.[67]
العطارة وصناعة العطورعدل
أسهمت الثقافة الإسلامية إسهامًا كبيرًا في تطويرالعطارة من حيث إتقان استخراج الطيب من خلالالتقطير بالبخار وتقديم مواد خام جديدة. وقد أثرت المواد الخام وتقنية التقطير تأثيرًا كبيرًا علىالعطارة والتطورات العلمية الغربية، وخاصةالكيمياء.
وقد ساعدت التجارة في العالم الإسلامي على تأمين أنواع مختلفة من التوابل والمواد العشبية، وغيرها من المواد العطرية. وبالإضافة إلى الإتجار بهذه المواد، فإن الكثير من هذه المواد المجلوبة كانت تزرع من قبل المسلمين بنجاح خارج مناخاتها الأصلية. مثالين على ذلك: الياسمين، التي تعود أصوله إلى جنوب وجنوب شرق آسيا، ومختلفالحمضيات، التي تعود أصولها إلى شرق آسيا. كل من هذه المكونات لا تزال بالغة الأهمية في صناعة العطور الحديثة.
وقد وثِق استخدام العطور في الثقافة الإسلامية في فترة ترجع إلى القرن السابع وقد اعتبر استخدامها واجبًا دينيًا. وفي الحديث النبوي في صحيح البخاري:
الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، أن يمس طيبا إن وجد.[72]
هذه الطقوس أعطت حافزًا للعلماء لبحث وتطوير طريقة أرخص لإنتاج البخور بالجملة. اثنان من الموهوبين الكيميائيين، جابر بن حيان، والكندي، أنشؤا صناعة العطور. طور ابن حيان العديد من التقنيات المتقدمة، بما فيها التقطير، والتبخيروالترشيح، والتي تسمح بتجميع عطور النباتات المتبخرة على شكل ماء أو زيت.[73] والكندي هو المؤسس الحقيقي لصناعة العطور، فقد قام ببحوث وتجارب مكثفة ودمج مختلف النباتات ومصادر أخرى لإنتاج مجموعة متنوعة من الطيب. لقد وضع عدد كبير من "الوصفات" لمجموعة واسعة من العطور ومستحضرات التجميل والمستحضرات الصيدلانية. وقال شاهد رآه وهو يعمل في المخبر:
"لقد تلقيت الوصف التالي، أو الوصفة، من أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، ورأيته يصنعها ويضيف إليها بعض الإضافات بوجودي".
ويمضي الكاتب في الجزء نفسه من الكلام عن تحضيره لأحد العطور المسمى "غالية"، الذي يحتوي على المسك، والعنبر وغيرها من المكونات، ويكشف عن قائمة طويلة من أسماء المواد والأجهزة.
جُلِب المسك وعطور الأزهار من المنطقة العربية إلى أوروبا في القرن الحادي عشر، والثاني عشر، من خلال التجارة مع العالم الإسلامي ومع الصليبيين العائدين لبلادهم. وتجار العطور كانوا هم على الأغلب تجار التوابل والأصبغة. وهناك سجلات لنقابة تاجري التوابل في لندن، تعود إلى سنة 1179 م، تبيّن تجارتهم مع المسلمين بالتوابل ومكونات العطور والأصبغة.[74]
المنتجات العسكريةعدل
ملح بيتر المنقىعدل
مدفع عربي أندلسي من القرن الخامس عشر.
كانت نترات البوتاسيوم (ملح بيتر) معروفة عند العرب منذ وقت مبكر، حيث كانت معروفة من قبلخالد بن يزيد بن معاوية المتوفى عام 7099 م وذلك تحت العديد من التسميات. استخدم هذا المركب في عمليات التعدين وفي إنتاج حمض النتريك والماء الملكي. وردت وصفات لهذه الاستعمالات في كتب كل من جابر بن حيان (المتوفى عام 815 م) وأبو بكر الرازي (المتوفى عام 9322 م) وفي كتب العديد من الخيميائيين الآخرين.[75] هناك اثنان من الأعمال المشهورة التي تصف عملية تنقية ملح بيتر، الأول من ابن بختويه في كتابه "المقدمات" من عام 1029، والآخر من المهندس والكيميائي السورينجم الدين حسن الرماح في كتابه "الفروسية والمناصب الحربية" من عام 1270، الذي كان أول من وصف عملية التنقية الكاملة لنترات البوتاسيوم، حيث ذكر استعمال كربونات البوتاسيوم (على شكل رماد الخشب) لإزالة أملاح الكالسيوم والمغنسيوم الموجودة على شكل كربونات في نترات البوتاسيوم.[75][76]
بالإضافة إلى ذلك فقد تم العثور على وصفة كاملة لتحضير البارود، وذلك باستعمال ملح بيتر المنقى لأول مرة في مخطوطة عربية تعود للقرن العاشر.[77] وفي مخطوطة أخرى من القرن العاشر أيضاً ورد وصف كامل للبارود ولكيفية استعماله في المدافع.[78]
البارود المتفجرعدل
استخدم جنود الإنكشارية العثمانيون بنادقماتشلوك منذ عقد الأربعينات في القرن الخامس عشر، وفي هذه الصورة من عام 1522 يظهرون وهم يقاتلون فرسان القديس يوحنا.
مدفع شاهي، أو المدفع السلطاني، التركي الكبير الذي استخدم في حصار القسطنطينية عام1453، وهو يعتبر أول سلاح ناري خارق.
هنالك اختلاف في الآراء حول مسألة أصل البارود، لكن الرأي الأكثر شيوعاً هو أن الصينيين كانوا أول من اخترع البارود، لكن بعض الباحثين يخالفون هذا الرأي حيث يعتقدون أنه من الممكن أن يكون المسلمين هم أول من اخترعوه.[79][80] وفي حال كان الصينيون هم أول من عرف البارود بحق، إلا أن المتوفر بين يديهم لم يكن نقياً وبالتالي فإن خواصه الانفجارية كانت ضعيفة، بالإضافة إلى ذلك فإن نسب خلط المواد الأولية للمزيج لم تكن مناسبة للاستعمال في المدافع.
كان ملح بيتر معروفاً للعرب باسم النطرون كما كان له أسماء أخرى تشير إلى مصدر الخامة مثل الشب اليمني (إشارةً إلى الشبة) وكذلك ثلج الصين، إذ أن المسلمين حصلوا على هذه الخامة من الصين بالإضافة إلى عدة مصادر أخرى.[81]) لم يكتف المسلمون بجلب هذه الخامة إنما كانوا أول من بدأ بتنقيتها، حسب أبحاث جورج سارتون، الذي ذكر أن الزنوج كانوا ينقون النطرون في البصرة واستخدموه في ثورتهم عام 869 م.[82]
إن التركيب المثالي للبارود المستعمل في العصور الحديثة يتألف من 75% من نترات البوتاسيوم (ملح بيتر) و10% من كبريت و15% من الكربون. ذكر المهندس العربي حسن الرماح العديد من الوصفات المقاربة في التركيب وذلك في كتابه "الفروسية والمناصب الحربية" أثناء وصف سلاح الطيار حيث ذكر التركيب التالي له: 744% من نترات البوتاسيوم، 8% من الكبريت، و15% من الكربون، كما وصف تركيب طيار البرق كالتالي: 744% من نترات البوتاسيوم، 10% من الكبريت، و155% من الكربون. لقد ذكر الرماح في كتابه أن تلك الوصفات كانت معروفة لوالده ولجده، لذا فإن تاريخها قد يعود إلى القرن الثاني عشر على الأقل، في حين أن التركيب المتفجر للبارود لم يعرف من قبل الصينيين والأوروبيين إلا في القرن الرابع عشر.[26][76]
إن استعمال العرب لملح بيتر في المعارك والتطبيقات العسكرية يعود إلى القرن العاشر، حيث كانت تستعمل المكونات الثلاثة الأساسية في تركيب البارود (ملح النتر والكبريت والكربون) مع إضافة النافثا لتشكيل أنابيب أو أسطوانات من القذائف الحارقة التي كانت تطلق من المنجنيقات نحو أسوار المدن المحاصرة،[83][84] كما أن ملح بيتر دخل في وصفات تركيب النار الإغريقية[85] التي استعملت من قبل العرب أيضاً في حروبهم. تذكر بعض المصادر الأخرى أن شاور بن مجير السعدي وزير الخليفةالفاطمي العاضد لدين الله استعمل 200 ألف أنبوب من القذائف الحارقة وعشرة آلاف من القنابل المضيئة في معارك الدولة الفاطمية عام 1168. جمعت عدة قنابل سيراميكية مختلفة عام 1914 من قبل المكتشفين بهجت وغابرييل في مصر، وفيأربعينيات القرن العشرين تنبه العالم الفرنسيموريس ميرسيه إلى أن تلك القنابل المتميزة بانسيابية التصميم ومتانة الجدار كان القسم العلوي منها غير موجود، في حين أن باقي جسم القنبلة كان سليماً، مما يشير إلى أن انفجاراً داخلياً قوياً سيكون وحده قادراً على تشكيل مثل هذه التصدعات حسب رأيه. قام موريس بفحص العديد من هذه القنابل بشكل دقيق واكتشف أنها كانت تحوي على آثار من النترات والكبريت وهي من المكونات الأساسية للبارود.[86][87] إن العديد من هذه القنابل معروضة حالياً في متحفي القاهرة واللوفر.
استُعمل البارود في المعارك من قبل المسلمين فيالأندلس وذلك حوالي عام 1118 م،[88] كما استُعمل لاحقاً للدفاع عن إشبيلية عام 1248 م.[89] استعملالمماليك البارود أيضاً عام 12500 في حربهم ضدالفرنجة الذين كان يقودهم لويس التاسع وذلك فيمعركة المنصورة،[90] واستخدموا المدافع اليدوية ضد المغول في معركة عين جالوت عام 12600 م. كانت هنالك أربع تركيبات مختلفة لهذه المدافع في المعركة، إلا أن أفضلها وأكثرها انفجاراً كان تركيبها مشابها للتركيب الحالي للبارود المتفجر.[26][91]
اقرأ أيضًا
مراجع
آخر تعديل تم قبل 3 شهور بواسطة Mr.Ibrahembot
صفحات ذات صلة
جابر بن حيان
حجر الفلاسفة
اختراعات المسلمين
قائمة ويكيميديا
المحتوى متاح وفق CC BY-SA 3.0 إن لم يرد خلاف ذلك.
الخصوصيةسطح المكتب