الجامعات نوعان، الأولى منهم هي المفيدة، تلك التي تدخلها جاهلاً من عدة نواحي فتكسب بعد تخرّجك منها علماً وأدباً وربما خُلقاً أيضاً! أمّا النوعية الأخرى فهي السائدة، وهي التي بدخولك إياها تبدأ في مسيرة الانحدار، مسيرة تسطيح العقول، كبح الطموحات وقتل الإبداع!
لن نتكلم كثيراً عن هذا النوع السائد، فالواقع مرير، وما بالقلب لن يستطيع مقال موجز أن يحتويه، لذلك لننتقل مُباشرة إلى جامعات النوع الأول، والتي سنتحدث عن أحد فروعها، أو أحد أجزاءها الذي يُطلق عليه لقب الجامعات الابتكاريّة.
بشيء من الإيجاز والتبسيط، الابتكاريّة هي صفة تُطلق علىالجامعات التي استطاعت أن تدمج بين العلم النظري من جهة، والتطبيق العملي المادي من جهة أخرى!
فما الذي ينفعني في معرفة كم يساوي ثابت بلانك وما هي بنية تشريح الصرصور، وكم تستغرق الدجاجة حتى تضع بيضة! هذه الأمور قد تكون مُفيدة لكنها قزمة جداً أمام تلك الأبحاث التي تُبحث أساساً لكي تُوضع في حيّز العمل والتصنيع!
كمثال بسيط: لديك الصواريخ وأنظمة التجسس والرادارات عالية التقدّم كلها لم تكن موجودة لولا أنّ الأبحاث أجريت في جامعات أساساً لأجل هذه الأغراض! وقد يأخذ البعض على العلم هذه النقطة، أنّه من هذه الناحية غير أخلاقي، فلربما “ماري كوري” و “آينشتاين” لم يعلموا أنّ القنبلة النووية ستسحق هيروشيما ولكن ذلك قد حدث فعلاً!
دعنا نتكلم بشيء من التفصيل عن بعض اختراعات الجامعات الابتكاريّة، ولنتعرف على أسماء هذه الجامعات أيضاً…
عباءة الإخفاء – جامعة Duke
عباءة الإخفاء الشهيرة في فيلم هاري بوتر لم تعد ضرباً من الخيال، ولا سيما في عام 2006 عندما أعلن مجموعة علماء أنّ الخيال قد أصبح واقعاً من خلال اختراعهم لجهاز قادر على جعل الأشياء تختفي عبر طيف ميكروني أو طيف من الموجات المصغّرة!
وكانت هذه النتيجة ثمرة للعمل المشترك الذي حصل بين جامعة Duke وImperial College في لندن، مع شركة
“Sensormetrix” في كاليفورنيا.
ويقول العلماء أنّه مع تقدّم التقنيّات وتطوّرها المتسارع، يُمكن استخدام الأنواع التالية من الابتكارات في المجالات المختلفة لا سيما العسكريّة منها – لإخفاء العربات على سبيل المثال! – خصوصاً أنّ الشركات والمؤسسات هي الداعم الرئيس لمثل هذه الأمور.
ففي المملكة المتحدة ازداد التعاون بشكل ملحوظ بين الجامعات والشركات، الأمر الذي أدى إلى رفع حجم التداول بنسبة 10% بين عامي 2012 – 2014، وذلك من خلال العديد من الأنشطة المشتركة التي حصلت بين الطرفين.
كما أنّ الأرقام الصادرة من مجلس التعليم العالي في إنكلترا تقول بأن قيمة هذه الشركات قد ارتفعت من 300 مليون جنيه استرليني إلى 3.9 مليار جنيه خلال نفس تلك الفترة!
ووفقاً لـِ “روبرت تيجسين” رئيس قسم العلوم والدراسات الابتكارية في جامعة Leiden في هولندا، فإنّ الربط بين الجامعة والصناعة من أبرز المهام التي يجب أن تقوم بها الجامعات إلى جانب التدريس والبحث العلمي!
الولايات المتحدة والصين في المقدّمة!
تبعاً لبعض المؤشرات فإنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة والصين تهيمنان على هذا الربط بين الجامعة والصناعة، إضافةً لبعض الدولة والمؤسسات الأخرى المتواجدة في عدّة بقاع من العالم ولا سيما مؤسسات الأبحاث المسؤولة عن السرطان في إنكلترا.
ومن أمثلة التعاون بين الجامعة والصناعة: الجامعة البتروليّة في الجنوب الغربي للصين، والتي تملك عدداً كبيراً من عقود التعاون بينها وبين معهد “Scripps” للأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وهو معهد مسؤول عن إجراء البحوث الطبيّة الحيويّة.
كما أن جامعة “Ludwig Maximilian” في ميونيخ – ألمانيا، من أكبر داعمي البحوث الصناعيّة، وكذلك جامعة “Siberian” في مجالات عدة أيضاً ولا سيما الطاقة.
التحالف مع العلم: مؤشرات الابتكار
لدينا قائمة بترتيب الجامعات تبعاً لدرجة تحالفها وإسهاماتها مع الشركات والمؤسسات الصناعيّة. اضغط هنا لرؤية الصورة بالحجم الكامل.
“دامين غوتز” مُدير الأبحاث في المدرسة الوطنيّة العليا للمناجم في باريس، يقول: “إنّ حوالي 80% من ميزانيّة المؤسسة السنويّة – 90 مليون يورو – يُخصص منها مُباشرة 64 مليون يورو للبحث العلمي! وأقل بقليل من هذا المبلغ يأتي من الدولة! بينما الباقي يأتي من التمويل الخاص إمّا بشكل مُباشر أو من خلال المنح الأوربيّة للبحث العلمي.
كما أنّ رواتب حوالي 150 موظف تأتي من خلال العقود الموقّعة مع الشركة الصناعيّة! وبالتالي يجب على الجامعة أن تؤمن البحث الكافي، وأن تضعه في قيد العمل لأجل تأمين رواتب الموظفين لديها!”
وقد صرّح “غوتز” قائلاً أيضاً: “إنّ هذا النموذج المتّبع قد يكون خطيراً خصوصاً بالنسبة لبعض الأكاديميين، ولا سيما أنّهم أجبروا على التوقيع على عقود صناعية مع شركات، فقط لأنّهم يحتاجون المال!”
ففي الماضي كان التركيز على التعاون بين المؤسسة البحثيّة الجامعيّة والصناعة أقل مما هو عليه الآن، وقد أقر “غوتز” بذلك. لكن الآن الواقع مختلف تماماً، وهناك العديد من الضغوط المتزايدة على الباحثين والعلميين لأجل التأكد من أن أعمالهم وأبحاثهم قابلة للنشر والتطبيق العملي، وليس مُجرّد كلام فارغ يطير في الهواء!
كما أنّ الربط بين البحث العلمي والصناعة أمر له مزاياه الخاصة أيضاً، ولا سيما أنّه يضع العلم قيد التنفيذ والاستفادة الفعليّة التي تنعكس على الشعب بمختلف مكوناته وأطيافه.
وهناك اعتقادات مماثلة لوجهة النظر هذه في جامعة “Duke” أيضاً، والتي بدورها قامت بإطلاق مُبادرات عديدة في مجال ريادة الأعمال عام 2010، إلاّ أنّها وبالرغم من هذا ما زالت تقبع في المركز الثالث من ناحية كميّة البحوث العلميّة المتعلّقة بالصناعة، كما أنّها تُعدّ من أفضل 20 جامعة في العالم أيضاً.
ولا شك أنّ الهدف من الأمر برمته هو تحويل الأفكار إلى أفعال حقيقيّة لها تأثير مُباشر وملموس على حياة الناس. قطعاً نشر الأخبار والمقالات والأبحاث مُفيد، لكن اقتصار دور الجامعات على الكلام فقط دون وضعه قيد التنفيذ كارثة حقيقيّة!
ومن الأمثلة على هذه الابتكارات: علاج جديد لمرض “Pompe” الذي هو اضطراب وراثي يعطّل القلب والعضلات الهيكليّة، إضافةً لابتكار كاميرا بدقة عالية قد تصل لـ غيغا بيكسل! والتي باستطاعتها أن تحقق الكثير من الأمور التي عجزت الكاميرات التقليديّة عن فعلها.
على الرغم من هذا تُبدي جامعة “Duke” بعض التحفظات على الموضوع، فهي لا تستطيع أن تعقد قران مع أي شركة أو مؤسسة لأجل تحقيق أي شيء تريده! كما أنّ الجامعة لا ينبغي أن تكون مجرد أداة أو ذراع في يد الشركات المصنّعة لأجل خدمة أغراضهم وأهدافهم الخاصة!
جامعة Eindhoven للتقنيات – هولندا
تقع هذه الجامعة في المرتبة السابعة بالنسبة للجامعات التي تنتج أوراق بحث علميّة مُرتبطة بالصناعة والتصنيع، وتعتبر هذه الجامعة من الجامعات التي ترفض أن تبقى بحوثها سرية وغير مكشوفة، وتوعز إلى الشركة الداعمة بضرورة نشرها وعدم احتكارها أبداً.
وفقاً للإحصائيات فإن 80% من موظفين جامعة آيندهوفن “Eindhoven” يقفون إلى جانب الشراكة مع الصناعة.
ويعزوا البعض سبب نجاح جامعة “Eindhoven” إلى كونها ربطت بين أبحاثها الحديثة المتعلّقة بالتقنيات والشراكة التصنيعيّة مع المؤسسات الداعمة، ولا سيما تلك المتعددة الجنسيات، خصوصاً أنّ برامجها التعليميّة تركّز بشكل ملحوظ على أمور الذكاء الصنعي والطاقة.
لكن من ناحية أخرى تُحذر بعض الجامعات من التعامل الزائد مع القطّاعات الصناعيّة، فاستقلاليّة البحوث العلميّة قد تصبح في خطر عند التعامل الزائد مع هذه الشركات، خصوصاً إن لم تكن مؤسسات مُدارة بشكل جيّد.
ويقول “كاري نيسلون” أستاذ اللغة الإنجليزيّة في جامعةIllinois: “أنّه ينبغي للجامعات أن تضع قواعد أساسيّة واضحة قبل الانخراط في هذا المجال”.
ويُضيف قائلاً: “إنّ في حادثة تسرّب النفط في خليج المكسيك عام 2010 تم توظيف بعض العلماء من الجامعات لأجل كشف مُلابسات ونتائج الكارثة التي حصلت، ولكن بسبب بعض العقود بين الجامعة والشركة المسؤولة تم طمس الحقائق والتكتّم على الأمر، ولم يُنشر أي شيء وبقيَ الموضوع طي الكتمان لمدة تزيد عن 3 سنوات!”
لذلك الآن وفي ضوء ما سبق، وجبَ طرح التساؤل التالي:
لماذا تصرّ الصين والولايات المتحدة على الهيمنة على مؤشر الابتكاريّة في الجامعات؟
يُجيب “سيمون مارغينسون” أستاذ التعليم العالي في معهد “UCL” قائلاً: “إنّ الحاجة الملحّة إلى تطوير بعض التقنيّات الهندسيّة والاستراتيجيّة، ولا سيما في المجال العسكري، هي التي دفعت إلى هذا، وهي التي جعلت من الصين والولايات المتحدة في سباق دائم نحو الحصول على كل ما هو جديد”.
“إضافةً إلى أنّ الجامعات في الصين والولايات المتحدة لا تتلقَ تمويلاً حكوميّاً بقدر ما تتلقى دعماً من قبل الشركات الخاصة والمؤسسات الصناعيّة التي تنشر أبحاثها، وتعمل على تنفيذها على أرض الواقع”.
كما يُضيف “مارغينسون” قائلاً: “إنّ هناك بعض الدول ولاسيما المملكة المتحدة، لا تزال ضعيفة في هذا المجال الذي له فوائده كما له سلبياته!”
ومن الجدير ذكره أنّ الباحثين في أمريكا الشمالية يحصلون على (%25 – %60) من دخلهم من خلال الاستغلال التجاري لأبحاثهم، وذلك بالمقارنة مع نسبة أقل موجودة في الدول الأوربيّة.
ويعود السبب في ذلك إلى وجود بعض القوانين في الاتحاد الأوربي تمنع ذلك، ولا سيما قانون الملكيّة الفكريّة.
ويقول “آرون شارما” نائب مستشار التسويق في جامعة Queensland، “أنّه ينبغي على ترتيب الجامعات الحديث أن يكون وفقاً لمعيار التعاون بين الجامعة من جهة والصناعة من جهة أخرى! فالابتكار هو شريان الحياة لكنه يحتاج لكم كبير من الدعم الصناعي الذي يستطيع أن يُقدّم له”.
تسجيل الاتصال
الاتصال بين الجامعة والاقتصاد كان له أثر كبير على جداول ومواعيد الأعمال العالميّة، ففي الشرق يجب زيادة تمويل الجامعات وتطويرها لخلق اقتصادات معرفيّة جديدة؛ لضمان مستقبل مزدهر ضمن المنطقة.
وفي الغرب نفس الأمر أيضاً، خصوصاً في أوقات مُحاربة التقشف الاقتصادي، والتي ستلعب الجامعات الابتكارية والمؤسسات الصناعيّة دوراً بارزاً فيه.
والواقع أنّ التنافس بين الجامعات الابتكارية قد ازداد في الفترة السابقة ولا سيما مع ظهور تصنيف التايمز للتعليم العالي لها. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ملحوظ في كميّة الاستثمارات، التي يبني عليها الكثير طموحات مستقبليّة أكبر وأكبر.
خصوصاً أنّ الأيام القادمة ستحمل الكثير من الخطط والأفكار، والتي ستكون فيها الجامعة والشركة جنباً إلى جنب، وهذا ما سيقود نحو تلازم مُستمر بين بحث علمي جامعي من جهة، وتنفيذ صناعي مادي من جهة أخرى!
مقدمة
“– درسنا اليوم! كيف نخططه؟ كيف ننجزه؟ كيف نقيمه…؟
أن نطرح هذه التساؤلات يعني أن نسائل في ذات الوقت ممارساتنا… تجاربنا وخبراتنا ونظرتنا عن الطفل والمتعلم… وعلاقتنا مع الآخرين… والقناعات التي ترسخت لدينا بحكم التلاؤم مع اليومي المألوف… ومنظورنا إلى المعرفة… والقيم التي تؤطر سلوكنا…
درسنا اليوم… لا ينحصر إذن في حدود تطبيقات عملية وتقنيات محددة… درسنا اليوم هو تساؤل عن كيف نمارس التدريس؟ […] من هذا المنطلق، فإن درسنا اليوم هو درس بصيغة الجمع. فليست هناك تقنية أو طريقة واحدة لتقديم درس، تشكل الألف والياء في كل عمل تربوي، وإنما هناك تقنيات مختلفة ومتعددة تختلف باختلاف الأهداف التي تتوخى بلوغها والعلاقة التربوية، فأن تتوخى تنمية النشاط الذاتي للتلميذ، يعني توظيف طريقة مغايرة لتلك التي ستقودك إلى ضبط هذا النشاط[…]”
سلسلة علوم التربية – العدد 5 / 1990… المملكة المغربية
ربما قد لاحظت تاريخ كتابة هذا المقتبس، فالبحث عن طرق مستجدة وحديثة للتدريس ليس وليد الحاضر أو الزمن القريب، بل هي عملية تراكمية يجب التطرق إليها كلما دعت الحاجة، فحاجات الجيل الحاضر تختلف عن سابقه، والإنسان مبدع بطبعه لا يقبل التلقين والتقليد. لهذا، وجب التفكير جيداً في الأمر خصوصاً بعد التطور المهول الذي عرفه المجال التكنولوجي والذي يتيح – إن هو استخدم بكيفية جيدة – في الرفع من مستوى التعليم وتحسين جودة التلقين. فضلاً عن ذلك، فاستعمال أساليب بسيطة بطريقة ذكية، مع إضفاء جو من المرح على الأجواء قد يقلص من حجم تلك الفجوة العميقة التي لطالما ترسخت في علاقة المدرس بالتلميذ، ويكسر قواعد الروتين والرتابة المعهودة التي عرفتها سابقاً ولازالت تعرفها فصول التدريس لدينا – في العالم العربي تحديداً.
من أجل هذا وذاك، سنحاول من خلال هذا الدليل أن نقدم لك ما قد تحتاجه للقيام بعمليتك التدريسية ووظيفتك التربوية. سنستهل بمجموعة نصائح عامة، لننتقل بعدها إلى كل مادة على حدة بحيث نتناول طرق وأساليب مبتكرة لتدريس اللغة العربية، اللغات الأجنبية، العلوم، الرياضيات ثم العلوم الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق