ساركازم: نقرأها في المعاجم على أنها التهكم اللاذع أو السخرية المريرة الجارحة التي قد تصل إلى جرح الشعور.. من هنا فالكلمة تنصرف إلى جانبين: أولهما جانب السُخر
بمعنى إظهار المفارقة وانقلاب الأوضاع والتدليل على خطأ أو تهافت الخصم - المقصود أو الظاهرة - الهدف، في حين ينصرف الجانب الآخر للكلمة إلى الإمعان في هذا الهجوم إلى حد التجريح..
وعند هذا الحد يصدق اشتقاق الكلمة من فعل «ساركس» ومعناه في اليونانية ـ أعزك الله ـ اللحم البشري. ومنه صاغ اليونان أيضا فعل ساركازين ويعني حرفيا تقطيع لحم البشر كمن تناوشته الكلاب أو قطعان الذئاب..
وبالطبع خف الأدباء والمبدعون إلى تخفيف هذا الفعل الوحشي إلى حيث أصبح معناه ينصرف إلى من يعضّ شفتيه ندما أو لوما.. وظلوا يوالون هذا التخفيف إلى حد الترقيق لينصرف الفعل إلى دنيا الأدب والفن ويصبح معناه الإسراف في الهجوم على العمل الأدبي أو المبدع الأدبي .
وهكذا تحولوا بالفعل من معارك الذئاب التي تنهش البشر إلى معارك الأدباء والفنانين الذين يستخدمون الكلمة والرسم من أجل أن (ينهش) بعضهم بعضا بسلاح الكلمات وأنياب المعاني والرسومات وهذا قضاء أخف من قضاء في كل حال.. مع ذلك فالمعنى الإغريقي القديم لا يلبث يطل برأسه بين حين وحين.. ففي المتواتر الشعبي يقال أنهم ينتفون فروة فلان بمعنى يمسكون سيرته بسوء في غيابه بطبيعة الحال..
وعند الانجليز والأميركان يصفون هذه النميمة بأنها حرفيا «عضّ الظهر» وأحيانا التقطيع ويصفون الملاحظة القاسية في مجالات الأدب والمجتمع بأنها حادة مثل شفرة السكين. ولن نذهب بعيدا، فالكتاب الكريم إذ يؤكد على تحريم النميمة وتبشيع الاغتياب يستنكر بشدة صورة الأخ الذي يتجاسر على أن يأكل لحم أخيه ميْتا.. وهي صورة لا تبعد كثيرا عما كان يرسمه اليونان الأقدمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق