مقال مــــــــــــــؤثر بعد تهديم الحي .
عزيز التوزاني
القلعـــة الصــامدة لـم تصمد أمـام جـرّافات المخزن والدينـاميتْ ، انهــار الحي الجـامعي بظهر المهراز بعد أن توبع وزُجّ بكــل المدافعين عن بقـاءه في غيـاهيب سجون النظـام ، رحـل الحي الجامعي ورحلت روائـح الطواجين الممزوجـة بعبق الألـم والفقـر والحرمان التي كانت تُسافـر في ردهــاتـه ، بطوابقـه الأربعـة المطلة عـلى حي ظهر المهراز القزديري من الخلف وساحة 20 يناير التي كانت محجّا لحلقيات النقاش والصراع مع البوليس من الأمــام .
كـان الطلبة يفرشون المواد الغذائية وسجائر ماركيز بين الطوابق الأربعـة بالتنـاوب لفك الشّـح الذي تخلّـفهُ المنحة الهزيلة وتوفير القليل من العيش لبعض من لا يستفيد منها أصلا ، كـانت الغرف تـأوي أكثر من عشر طلبة يفرشون الأرض والشرفات تـاركين الخلافات الإيديولوجية للساحـة ، يقتسمون قنينات الزيت والزيتون صباحـا في جوّ من التضامن والإيخـاء وبعقلية رجل بدوي سخي يكرمُ ضيوفه حتى وان نام جائعا ، كـانت الساحة الجامعية وطنـا على هامش الـوطن بحلقيات للنقاش وكراريس الأكلات الرخيصة المكونة من البطاطس والبيض ، وقصيدة لعشاق يسرقون قُـبلاً بعتمة الليل وبعيدا عن حراس الوطن ..
فـي الساحة كان صوت الطلبة يـرتفعُ عاليا منددا بأوضاع بلد ينخرهُ الفساد ويبني فيه الأغنياء ثرواتهم على حساب البؤساء قبل أن تنهال عليهم الهراوات المخزنية ويعلـو الصوت أكثر فأكثـر ..
كان الحي الجامعي منتصبــا كجندي في الصفوف الأمامية ، شـامخا يعاند الزمـن وسط المنازل القزديـرية المترامية بأطرافه .. في عناق جميـل وسفر ملحمي ..
والحي الجامعي لم يكن مجرد بناية تجمعُ الطلبة المقودة علـيهم من أجل التحصيل العلمي والبحث عن وظيفة شبه محترمة تنقدُ عائلات بأكملها خاصة أن الطلبة الذين يسكنونهُ قـادمين جُلهم من المغرب العميق ، ليس ذاك المغرب الذي يتحدثُ عنه بنكيران ويتهمهُ بتعطيل عمله ، بـل المغرب المنسي والعميق الذي لن تجدهُ في كتب دليل السياحة وفي القنوات العمومية إلا في برنامج الخيط الأبيض أو على صفحات الجرائد الأجنبية التي تقولُ هذا هو المغرب المطمور والحقيقي البعيد عن المساحيق التجميلية الرخيصـة ،
الحي الجامعي كـان قلعة للنضال وتكوين شبـاب واعـي وجريئ يمكنه أن يصرخ في وجه الظلم حتى بالإدارات العمومية التي بمجرد أن تطأها قدماهُ ويـرى الفوضى التي تعم مكتب تصحيح الإمضاء حتى يتذكر ذلك الصف الطويل المشيد على بعد 500 متر من مطعم الحي ، كل يحترم حق السبق للآخـر ، فيشـدّهُ الحنين لتوعية الناس بالإدارة لاحترام الصف قبل أن يتم طرده منـها من طرف المخازنية بمجرد أن يعلموا أنه طالب من ظهر المهراز ...
لهذا تجد الطلبة يشيدون وطنهم بين أسوار الجامعة لأنهم بمجرد خروجهم منها سيعتقلهم أول شرطي يصادفهم بتهمة " انت اللـي ضربتينـا داك النهـار "
هذا الوطن الذي هُـدّم وتهدّمتْ معـه ذكريات وأحلام وملحمات من العيش في وطن كبير لا يوفر العيش إلا لقشدة المجتمع ، أما نحن فقد حـرمونـا حتى من قهوة البوفيط التي كنا نشربها بدرهم ونصف ، وحرمونــا من ليال الأنس بالعود وأغاني الشيخ إمــام ، وشرّدوا الطلبة الذين سيجدون أنفسهم الموسم القادم يفترشون الأرض ويلتحفون السمــاء قبل أن تنهــال عليهم هراوات البوليس ويُزجّ بهم في سجن عين قادوس ..
هي هكذا الأشيـــاء الجميلة ، تأتي دون سبب وترحل دون سبب ، وداعـــا أيها الحي ، ودعـــا أيتها الغرفة 240 ...
عزيز التوزاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق