الأحد، 23 أبريل 2017

نعم خنت وطني


أنا رجـلٌ خائن .. خُنتُ وطني عندما رفضتُ الإلتحاق بجيش التحريـر لأقاتل الفرنسيين وأطردهم من الوطن .
لم تكن فرنسا تُشكّلُ لي عقدة بتواجدها في المغرب ، بالعكس كُنتُ مبهوراً بها وتمنّتُ أن يستمرّ توجدها معنا لتُممَ مشاريعها التنموية ، لولاها لكنا في عداد التخلف ، هي من عرّفتنا على السينما والمسرح ، هي من أنشأت الجسور والسكك الحديدية والمكتبات والمطارات وبنت المُستشفيات وأدخلت الحضارة لهذا الوطن ، لو لـم ترحلْ لاكتشفنا الطراموي والميترو باكراً ، ولكـانت جودة التعليم والصحة أحسن بكثيـرْ .. الذين قاتلوا المستعمر أصبحوا مجردّ أرقام لا اسم لهـا ، وحدهم قوّاد المخزن من استفادوا مما تركتهُ فرنسا ، انهالوا على الأراضي والڤيلات والمناصب السياسية ، نفخوا كروشهم على حساب الجياع الذين ماتوا بالصحاري والجبال ، أنشأوا أحزاباً سياسية وتقاسموا كعكة الوطن بينهم .. 
أنا رجلٌ خائن .. خُنتُ وطني عندما زوّرتُ شهادة طبية تمنعني من دخول الجيش ، لا أريدُ حراسة حدود وهمية في الرمال والأحجار طيلة أربعين عاما وينتهي بي المطاف حارساً للسيارات ومعي معاشٌ هزيلٌ لا يكفي لوجبة عشاء ، وزوجة مريضة لا أملكُ ثمن علاجها ، وكثير أبناء لا يملكون عملاً .. لا أريدُ تقبيل يدَ الجينرال ليُدخلني المدينة ، فأسوقُ سيارة زوجته وأذهبُ بها عند عشيقهـا بالمنزل المطل للبحـر ، وإذا ما رفعتُ عيني بعينها تأمرُ زوجها بطردي أو إدخالي السجن .. 
خنتُ وطني مرة أخرى عندما رشيتُ عون السلطة كي لا يُسجل اسمي للذهاب للمسيرة الخضراء ، فضّلتُ مشاهدة جحافل الفقراء والمقهورين تمتطي الصحاري مشياً على الأقدام لاسترجاع الرمال حاملة مصافح لا تعرفُ فحواها ورايات انتهى بها المطاف ملحافاً يقيهم من البرد ، وعادوا دون أن يملكوا بيتا ولا عملا ولا مستقبل ، حرروها لأناس آخرين ولوطن آخـر .. 
خنتُ وطني عندما لم أرى وجه الملك بالقمر .. خنتهُ عندما خرجتُ في مظاهرات تطالبُ بالخبز والعيش الكريم ، خنتهُ عندما دخلتُ المدرسة في حين كان أبناء الحي يذهبون للتسول .. خنتهُ عندما قرأتُ الكتب الحمراء وطالبتُ باشتراكية تُنصف الجميع .. خنتهُ عندما تحدتثُ عن الحرية والمساواة .. خنته عندما لم أقف لتحية العلم ولم أرقص بأعياد العرش .. خنتهُ عندما انخرطتُ في العمل السياسي ورفضتُ أن أكون من القطيع .. خنتهُ عندما توقفتُ عن صلاة الجمعة والدعاء مع الحاكم .. خنتهُ عندما طالبت بالسكن اللائق والتعليم والصحة .. خنتهُ عندما قلتُ الشعب يريد إسقاط النظام .. خنتهُ عندما قلتُ لا للعفو عن مغتصب الأطفال ... خنته عندما دخلتُ للجامعة ومشيتُ في المسيرات .. خنتهُ وخنتهُ وخنتهُ ولا يهمني حكمهُ ولا حاكمهُ ... 
أنا خائن .. خنتُ وطني ما من مرة ، والحمدُ لله أني خنتهُ ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق