(س) ما هي أبرز التعديلات الدستورية التي أقرها الاستفتاء الأخير بتركيا ؟
(ج)همت التعديلات الدستورية المقترحة في الاستفتاء السابق ، كل الهندسة المؤسساتية و السلطات الثلاث ،مما جعلها اقرب الى دستور جديد وليس مجرد تعديلات متفرقة .
هكذا تقترح الصيغة الدستورية الجديدة للجمهورية التركية الثانية إلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل جميع صلاحياته إلى رئاسة الجمهورية، و إلغاء المادة الدستورية التي تفرض على الرئيس التركي الابتعاد عن الانتماء الحزبي.
سيتولى ر ئيس الدولة اذن :
- صلاحية تمثيل و حدة الجمهورية والأمة التركية ، وتطبيق الدستور و التنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة.
- يحق له أن يلقي خطاباً في البرلمان في بداية السنة التشريعية الجديدة، وأن يقدم توجيهاته فيما يخص السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.
- له الحق في تعيين نوابه والوزراء وكبار موظفي الدولة وأيضاً إقالتهم من مناصبهم، وذلك بموجب مرسوم تشريعي رئاسي، من دون الحاجة لموافقة البرلمان.
- صلاحية تحويل القوانين الخاصة بالتعديلات الدستورية إلى الاستفتاء الشعبي في حال رأى ضرورة في ذلك .
- تحديد سياسات مجلس الأمن القومي واتخاذ الخطوات الكفيلة بتطبيقها.
(س) مادلالات الانتصار الصعب الذي حققه داعمي الاستفتاء ؟
(ج) الأمر له علاقة بطبيعة الحدة التي طغت على النقاش حول الانتقال إلى النمط الرئاسي ،أجزاء كبرى من المعارضة اعتبرت ان التفريط في الاختيار البرلماني الذي يعود إلى العشرينيات من القرن الماضي(29 أكتوبر 1923) ،قد يعني تراجعا عن الديمقراطية ،في المقابل العدالة والتنمية استفاد من أثر الحالة السياسية لما بعد الانقلاب في صيف 2016 ،و من التململ الواقع في موقف حزب الوحدة القومية والذي كان حاسما في دعم مسلسل الاستفتاء .
(س)كيف سيتم انتخاب الرئيس بعد دخول التعديلات الدستورية حيز التنفيذ؟
(ج) اولا يجب أن يكون المرشح لرئاسة الدولة قد أتم الأربعين عاماً وكذلك تعليمه العالي، ويتحلى بالصفات التي وضعها القانون للترشح للنيابة في البرلمان.
انتخاب الرئيس، يتم منصب بعد حصول المرشح على أغلبية الأصوات، وفي حال فشل أي من المرشحين بالحصول على غالبية الأصوات، تجرى الانتخابات مرة أخرى بين الحاصلين على النسبة العليا من الأصوات في أول يوم إثنين بعد الجولة الأولى، وفي حال انسحب جميع المرشحين ولم يبق سوى مرشح واحد للرئاسة، يتم تحويل التصويت إلى استفتاء شعبي، وفي حال لم يحصل المرشح على غالبية 50 في المائة، سيتم إعادة انتخابات رئاسة الجمهورية من دون إعادة الانتخابات التشريعية، على أن يستمر الرئيس المنتهية ولايته بإدارة شؤون البلاد لحين انتخاب الرئيس الجديد.
(س): كيف تفسر الإهتمام المتزايد الرأي العام العربي بمسألة الاستفتاء الدستوري بتركيا ؟
(ج): لقد تابعنا نفس الاهتمام او أكثر ، في العام الماضي، بمناسبة الانقلاب الفاشل، هذه المرة كذلك تحول الاستفتاء الدستوري بتركيا، إلى موضوع للاهتمام المكثف داخل غالبية المجتمعات العربية، وأكثر من ذلك تحول إلى بؤرة للتقاطب «الداخلي» والتقديرات السياسية المتناقضة.
متابعة الاتجاهات الكبرى للرأي العام العربي، حول هذا الموضوع، تجعلنا نقف بسهولة على تأثير الموقف الايديولوجي من القيادة التركية والموقف السياسي المسبق من طبيعة أدوارها الإقليمية، في بناء ما يشبه «موقفا» عابرا من هذا الاستحقاق الدستوري، سواء سلبا أو إيجابا.
في العمق، فإن الأمر يتعلق بالنهاية بأثر الانقسام الحاد داخل قطاعات واسعة من الرأي العام العربي، حول توصيف وتكييف طبيعة تفاعل القوى الإقليمية، ذات العلاقة مع القضايا العربية، وعلى رأسها اليوم ما يقع في سوريا.
كل هذا يفسر الاهتمام العربي المتزايد، بالحالة التركية، خاصة في المستويات المجتمعية، سواء عبر هذا الاهتمام عن نفسه في صيغة للتماهي الاحتفالي بالنموذج التركي، أو في شكل تحضر فيه تركيا كعدو استراتيجي للعرب.
وبين هذين التقديرين «المتطرفين» ثمة بالتأكيد مساحة واسعة من المواقف والمشاعر التي تختلط فيها الجغرافية والسياسة بالتاريخ، لكي تجعل الحالة التركية حاضرة بقوة في المخيل السياسي للشعوب العربية اليوم.
(س)هل تود القول أن هذا التقاطب لم يسمح ببلورة صورة موضوعية عن ما وقع؟
(ج)نعم تماما فيي مثل هذا السياق، سيكون من المفيد الانتباه إلى بعض العناصر الموضوعية في التحليل، والتي لاشك أنها تكون في الغالب الضحية الأولى للنقاش العمومي المنطلق من محددات المواقف المسبقة، أو من صلب الاختيارات الإيديولوجية.
أولى هذه الملاحظات، تتعلق بالتاريخ، ذلك أن التفكير في الجمهورية التركية الثانية، انطلق بالضبط بعد تأسيس الجمهورية الأولى، تفصيل القول في ذلك يعني أن الأصوات المطالبة بالانتقال إلى نمط رئاسي للهندسة المؤسساتية، ظلت حاضرة طوال العقود الماضية لدى فئات واسعة من الطبقة السياسية التركية.
الملاحظة الثانية، تتعلق بكون هذا الجدل الدستوري التركي، مسألة طبيعية داخل الحياة السياسية، ذلك أن جزءا- مثلا- من النقاش الانتخابي الفرنسي الحالي يتمحور حول أطروحة «الجمهورية السادسة» والتي تعني الانتقال من نظام شبه رئاسي إلى نظام برلماني، كما أن جزءا من النقاش التأسيسي الذي عرفته مصر أو تونس، بعد 2011، قد ارتبط بطبيعة النظام الدستوري.
(س)قبل السؤال عن النقاش الدستوري في السياق العربي ،ما المقصود بالحمهورية السادسة في فرنسا ؟
(ج)لا حظ أنه مثلا بمناسبة اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يتجدّد النقاش بشأن ضرورة إصلاح السياسة والمؤسسات، وحول مراجعة طبيعة الحكم في بلاد الأنوار. وتتوجه، كالعادة، سهام النقد إلى دستور 1958 الذي أدخل فرنسا في عهد الجمهورية الخامسة، التي جعلت النظام السياسي الفرنسي مختلفا عن النظام الرئاسي الأميركي، وعن الأنظمة البرلمانية الأوروبية، وفي الوقت نفسه، نظاما يجمع خصائص من الأنظمة الرئاسية وأخرى من الأنظمة البرلمانية.
في الواقع، كان النظام الفرنسي المختلط، شبه الرئاسي وشبه البرلماني في الآن نفسه، جوابا مؤسساتيا على حالة تخوفٍ تاريخيٍّ من الانزياحات البرلمانية للجمهوريات الفرنسية السابقة، والتي خلفت ضعفا مهولا للاستقرار السياسي، جرّاء انعدام التوازن بين سلطتين، تشريعية قوية ومهيمنة وأخرى تنفيذية هشّة وفاقدة للاستقلالية، وجوابا سياسيا مرحليا على سياقٍ مرتبط بزعامة استثنائية، ترتبط بالجنرال ديغول.
في نقد ملامح قصور هذا النظام، والتي تتجلى أساسا في الآثار السلبية لاقتسام السلطة التنفيذية بين الرئيس والحكومة، خصوصاً في العلاقة مع فكرة المسؤولية السياسية، برزت أطروحة الدعوة إلى "الجمهورية السادسة"، خصوصاً من طرف يسار الحزب الاشتراكي (مونتبورغ وبونوا آمون)، وتيارات يسار اليسار، والحساسيات البيئية، وبعض الأصوات المحسوبة على الوسط. وتشترك الأدبيات السياسية والأكاديمية، المنشغلة بأطروحة الجمهورية السادسة، في الأفكار التالية:
- نقد النزعة الرئاسوية للجمهورية الخامسة، والتي تجعل من رئيس الجمهورية "ملِكا غير متوج"، بصلاحيات واسعة، لا مثيل لها في كل أوروبا الغربية. الترافع من أجل عودة السلطة للحكومة المنبثقة من الأغلبية البرلمانية، والمسؤولة أمام ممثلي الأمة. تعزيز مخرجات النظام البرلماني، بوصفه نظاماً مستنداً على فكرة المسؤولية السياسية، وعلى ربط ممارسة السلطة بالرقابة والمحاسبة. تقوية مسالك الديمقراطية المواطنة والتشاركية، من أجل الوفاء لجوهر الديمقراطية المستند على المشاركة، وتجاوز أعطاب النموذج التمثيلي. تعميق شفافية الحياة السياسية، وتخليق العمل السياسي، عبر الحد من الجمع بين الوظائف التمثيلية وضمان مراقبة المواطنين ثروات مدبري الشأن العام.
مرشّح الحزب الاشتراكي، بونوا آمون، والذي يعلن، منذ سنوات، انخراطه في الدعوة إلى إصلاحات مؤسساتية عميقة، من شأنها أن تفضي إلى تجاوز الإطار الدستوري لجمهورية 1958، خصّص جزءا من مشروعه السياسي لحزمة من الاقتراحات الواردة تحت باب بعنوان "الجمهورية السادسة"، حيث يدافع الفائز في تمهيديات اليسار عن فكرة تعزيز الأبعاد المواطنة والتشاركية للديمقراطية الفرنسية، عبر إلزام البرلمان بمناقشة اقتراح قانون مقدّم من 1% من الجسم الانتخابي، وعلى إمكانية المبادرة المواطنة على تعليق تنفيذ قانون صادر عن البرلمان، وإحالته على الاستفتاء الشعبي، فضلا عن السماح للمواطنين بإمكانية تقديم تعديلات على مشاريع القوانين المعروضة للتداول، وفتح المجال أمام اقتراحاتهم بشأن توزيع جزء من الميزانية العامة .
على أن الاقتراح الأكثر إثارة في هذا السياق يبقى هو الاعتراف بالتصويت الأبيض، حيث يدعو هذا المرشح إلى إلغاء الاقتراع، إذا كان التصويت الأبيض حائزا على "الأغلبية".
على مستوى الإصلاح المؤسساتي، فيطالب آمون بإقرار ولاية رئاسية وحيدة من سبع سنوات، غير قابلة للتجديد، مع إعادة تعريف الوظيفة الرئاسية، بحيث يبتعد الرئيس عن الصلاحيات التنفيذية المباشرة، ليصبح مسؤولا عن التوازن بين السلطات واحترام الحريات ورعاية المصالح الكبرى للأمة، مع إصلاح مجلس الشيوخ، بفتح المجال أمام إمكانية تمثيل المجتمع المدني، إلى جانب تمثيلية المجالات الترابية.
في باب الجمهورية السادسة، دائما يدافع آمون عن تعزيز صلاحيات البرلمان، من خلال تقوية اختصاصاته في الرقابة على التعيينات الرئاسية، ومن خلال تقوية صلاحيات المعارضة البرلمانية وتحديث عمل اللجان البرلمانية الدائمة، وتدعيم العمل البرلماني بالخبرة اللازمة للتشريع والرقابة، وبتقييد لجوء الوزير الأول لمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 49 من الدستور، والتي تسمح الحكومة بتجاوز إمكانية الرفض البرلماني لمشاريع قوانينها، وحذف الفصل 40 الذي يمنع النواب من اقتراح نفقاتٍ إضافية، بمناسبة مناقشة قوانين المالية.
أما مرشح يسار اليسار، ميلونشون، فيتمنى أن يكون آخر رئيس للجمهورية الخامسة، وأن يغادر الإليزيه سريعا، بعدما يكون قد رافق عملية انتخاب مجلس تأسيسي، تكون مهمته الأساسية تأمين الانتقال المباشر إلى الجمهورية السادسة، من خلال نظام دستوري برلماني، ومواطن حديث يتجاوز نمط الحكم المبني على "ملكية رئاسية"، وإعادة السلطة إلى مصدرها الأصلي: المبادرة الشعبية.
(س)كيف عاشت الدول العربية بعد الثورات هذا النقاش بين النمطين الرئاسي والبرلماني ؟
(ج)نعم .كان على النُخب العربية ،بعد الثورات العربية ، أن تعيد إنتاج جدلٍ، كان يبدو كلاسيكياً ومُتجاوزاً، بشأن أفضلية النُظُم السياسية، وأكثرها ديموقراطية: الرئاسية أم البرلمانية أم المُختلطة، لكن، هذه المرة، بشكلٍ بعيدٍ عن تعلُّق الأمر بمجرد قناعاتٍ أكاديمية متقاطعة. فوراء كل اختيار كانت تبدو بوضوح رهانات الفاعلين السياسيين وتقديراتهم الظرفية وتقييمهم الذاتي لحجمهم الانتخابي، وحجم خصومهم.
وهكذا، شكّل هذا النقاش فرصة لاختبار الحجج المتبادلة، دفاعاً عن كل اختيار من الاختيارات، حيث ذهب المترافعون من أجل نظام الحكم البرلماني إلى استحضار الحاجة الماسة للقطيعة، على مستوى الهندسة الدستورية، انطلاقاً من مسؤولية الانحراف الرئاسوي الذي عرفته مؤسسات الأنظمة السياسية، في الوصول إلى لحظة الانفجار الكبير لعام 2011.
بل إن الاختيار البرلماني، كثيراً ما تم تقديمه، خصوصاً من الفاعلين القادمين من معارضات صعبة للسلطوية، كآلية مؤسساتية لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
في المُقابل، انطلق المدافعون عن الاختيار الرئاسي، أو المختلط، من ضرورة الحرص على تفادي اختصار الديموقراطية في النظام البرلماني، ومن نفي مسؤولية الاختيار الدستوري الرئاسي في إنتاج حالة العطب المؤسساتي والاستعصاء الديموقراطي العربي، معتبرين أن ضعف البُنى والتقاليد الحزبية، وطبيعة الثقافة السياسية السائدة، ومخاطر التحوّل الانتقالي الهشّ، كلها عوامل ترجّح لديهم الحاجة الى نظام سياسي يقوده رئيس بصلاحيات قوية، في حدود ما تقرّه مبادئ المساءلة السياسية والرقابة الديموقراطية.
تحَكَّم في صياغة دساتير تونس ومصر، في باب نظام الحُكم، هاجسان أساسيان، يتعلق الأول بالحرص على معالجة الاختلالات الفادحة في توازن السلطات والمؤسسات، عبر محاولة إعادة التوازن إلى علاقة كل من الحكومة والسلطة التشريعية مع الرئيس، بشكل يسمح من جهة بخروج الحكومة من ظل الرئيس، وتحولها شريكاً فاعلاً، ومن جهة أخرى بحل إشكالية اللامسؤولية السياسية للرئيس أمام البرلمان.
الهاجس الثاني ارتبط بمحاولة إعادة توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، عن طريق "أنسنة" الصلاحيات التنفيذية للرئيس وتحجيمها، وتقوية قائمة الصلاحيات المستقلة التي تحصل عليها الحكومة، ثم تكريس نمط جديد من تقسيم السلطة التنفيذية بين الرئيس والحكومة.
وفي النهاية، إن التفاوض وإعادة التفاوض بشأن نظام الحكم بين فاعلي مشهد ما بعد الثورات، سمح بإنتاج نظام دستوري مُختلط في تونس، يتأسّس على تقسيم للسلطة بين صلاحياتٍ ذات طابع سيادي وتمثيلي للرئيس، وبين صلاحيات تدبيرية للحكومة، تهم السياسات العمومية غير ذات العلاقة بالدفاع والأمن القومي والخارجية.
وبإنتاج نظام دستوري رئاسي مُعقلَن في مصر، احتفظ فيه الرئيس بقُبّعتي رئاسة الدولة والسلطة التنفيذية في الوقت نفسه، وإذا كان لا يتأسس على التقسيم الواضح نفسه للصلاحيات التنفيذية في الحالة التونسية، فإنه يحاول أن يعيد التوازن إلى نظام رئاسي شهد انحرافات رئاسوية كبرى، عبر عقلنة صلاحيات الرئيس، ونقل الحكومة من حالة الشريك الثانوي إلى وضع أكثر تقدماً.
إعادة تركيب المواقف والأحداث السياسية في البلدين، من خلال مخاضات الدسترة، من شأنها أن توضح الطبيعة التوافقية لنظام الحكم الذي أُقرّ في تونس، والذي يبدو من خلاله حجم التنازل الذي قدمته، مثلاً، حركة النهضة التي تشبثت، في البداية، بفكرة نظام الحكومة البرلمانية القوية والرئيس المحدودة صلاحياته، في مواجهة تمسك ممثلي القوى الليبرالية واليسارية بالنمودج الرئاسي.
أما في مصر، فالملامح الكبرى لنظام الحكم لم تتغيّر كثيراً بين دستوري 2012 و2013، ما يعني، كما لاحظ الباحثون، أن شكل النظام الذي كان موضوع توافق بين الجيش وممثلي الدولة العميقة من جهة و"الإخوان المسلمين" من جهة أخرى عام 2012، هو نفسه الذي شكل أرضية التوافق الجديد بين الجيش وممثلي الدولة العميقة من جهة وأعداء "الإخوان" من جهة أخرى عام 2013.
(س) من فضلك سؤال مباشر هل النظام البرلماني أكثر ديمقراطية ؟
(ج)جيد هنا يتعلق الامر بمسألة منهجية، ذلك أن كتابات الفقه الدستوري توضح بجلاء أن هناك توازنا في الحجج النظرية والمعيارية المقدمة في الدفاع عن أي من الخيارين: البرلماني أو الرئاسي، ذلك أنه يصح القول إن المفاضلة بين كلا النمطين في الجوهر ليست مفاضلة أخلاقية في الأساس.
إذ إن كل نمط منهما، يعتبر في حد ذاته قراءة ممكنة لنظرية فصل السلطات، ولتأسيس الشرعية الديمقراطية على فكرة الإرادة العامة.
يكفي توفير ضمانات التوازن بين الرئيس والبرلمان، وبين الصلاحيات التنفيذية والقضائية، لكي لا يقل النظام الرئاسي ديمقراطية عن النظام البرلماني.
(س) : هل يوفر الدستور التركي الجديد هذه الضمانات؟
(ج): طبعا مثل هذا السؤال، لا يهتم به كثيرا الرأي العام العربي، المنشغل بالسهولة والمفتون بالمواقف الحادة والأفكار المسبقة.
التعديلات حاولت تحقيق بعض التوازن بين السلطة التنفيذية و البرلمان ، رغم أنها في النهاية لا أعتقد انها وصلت إلى درجة التوازن الموجود في الأنظمة الرئاسية "التقليدية " .
بحسب التعديلات التي أقرها الاستفتاء ، سيتم رفع عدد النواب في البرلمان التركي من 550 إلى 600 نائب، وسيتم تخفيض سن الترشح إلى البرلمان من 25 عاماً إلى 18، على أن يتم انتخاب البرلمان ورئاسة الجمهورية في يوم لولاية خماسية (لا يمكن الرئيس الحكم أكثر من ولايتين ).
اما عن صلاحيات البرلمان، فتهم : "وضع القوانين وتغييرها ، مناقشة الميزانية ومراقبة تنفيذها ، إقرار طباعة أوراق نقدية وإعلان الحرب، إقرار العفو العام بموافقة ثلاثة أخماس البرلمان بما لا يتعارض مع القوانين والاتفاقيات الدولية، واستخدام باقي الصلاحيات الموجودة في الدستور الحالي، وإنشاء لجان تحقيق في المواضيع التي تنظمها القوانين والحصول على أجوبة خطية عن جميع التساؤلات التي يطرحها البرلمانيون بشكل مكتوب من نواب الرئيس والوزراء بمدة لا تتجاوز 15 يوماً.
الصلاحية التشريعية للبرلمان يقابلها حق إحالتها من طرف الرئيس إلى القضاء الدستوري .
من جهة أخرى ،اذا كان من حق الرئيس إصدار مراسيم تشريعية تخص سلطاته التنفيذية، فلا يجب ان تمس هذه القرارات بالحقوق والحريات الأساسية وتلك السياسية، وألا تتعارض مع أي قانون صادر عن البرلمان. أما في حال أصدرت الرئيس مرسوماً تشريعياً يتعارض مع أي قانون سبق المصادقة عليه من طرف البرلمان، سيتم تطبيق القانون، وفي حال أصدر البرلمان قانوناً في ذات الموضوع الذي أصدر به الرئيس مرسومه، سيعتبر الأخير لاغياً.
من جهة أخرى فإذا كانت صلاحية إعلان حالة الطوارئ وفق القوانين الحالية قد تحولت من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الدولة،فقد ادمجت التعديلات بعض التقييدات منها أن لا تتجاوز مدة أقصاها ستة أشهر وأن لا تدخل حيز التنفيذ بعد موافقة البرلمان، الذي يبقى من حقه له تقصير وتمديد حالة الطوارئ إن رأى ذلك مناسباً. كما يحق لرئيس الجمهورية طلب تمديد حالة الطوارئ لمدة لا تتجاوز-في حالة السلم- أربعة أشهر.
تسمح التعديلات كذلك باقتراح إثارة المسؤولية الجنائية للرئيس في حال ارتكبت جرماً بمجرد موافقة أغلبية أعضاء البرلمان، على أن تتم مناقشة الأمر خلال مدة لا تتجاوز شهراً واحداً. ويتم تشكيل لجنة برلمانية للنظر في الاتهامات الموجهة إليه بموافقة ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان، بالتصويت السري، على أن يتم تشكيل اللجنة بطريقة تراعي التمثيل النسبي،و تقدم تقريرها لرئاسة البرلمان في مدى لا يتجاوز شهرين، على أن يتم تمديدها لمرة واحدة ولشهر واحد. وتقوم رئاسة البرلمان بتوزيع التقرير خلال عشرة أيام من تسلمه. وإن اجتمع البرلمان مرة أخرى خلال عشرة أيام من تاريخ توزيع التقرير، يتم تحويل الرئيس إلى المجلس الأعلى للدولة للمحاسبة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، إذ يقوم المجلس بإنهاء محاكمة الرئيس في مدة أقصاها ثلاثة أشهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق