بقلم إدريس شحتان
من يلعب في طنجرة الريف؟
الوضع الذي وصلت إليه احتجاجات الحسيمة تسائلنا جميعا، مسؤولين رسميين، وسائل الإعلام بمختلف أصنافها، الأحزاب السياسية، منظمات المجتمع المدني واللجنة المحلية المشرفة على التظاهر منذ مقتل بائع السمك المرحوم محسن فكري، أين الخلل؟
على مستوى الدولة كما هو معروف هناك كلام كثير عما يسمى بالإقصاء والتهميش الذي طال منطقة الريف طيلة عقود، لأسباب لم تعد مجهولة خاصة بعد صدور توصية هيئة الإنصاف والمصالحة بضرورة المصالحة مع الجغرافية التي تعرضت لنوع من التأديب الجماعي، وقاد محمد السادس هذا المسار بنفسه، وأحس الصغير والكبير أن هناك شيئا جديدا غير مألوف عندهم يحدث بالمنطقة، خصوصا من الجيل الذي عاش ما يطلق عليه بعام إقبارن أو من الجيل الجديد من الشباب الذين بدؤوا يلمسون معالم التغيير، هل قامت الدولة بواجبها كاملا؟ يجب قول الحقيقة، بأنه رغم التخطيط لمشاريع كبرى فلا زال هناك بعض التعثر كما هو الحال في عدد من مناطق المغرب، وأيضا ثمة بيروقراطية وتعقد المساطر وتعدد الفاعلين، وهذا طبيعي أن تتعثر مشاريع وأن يكون الأثر على حياة المواطنين ليس بذات الطموح الذي أراده الملك الذي جال ولا زال يجول مناطق عدة من مغربنا ليحقق حلم تبوأ بلادنا مكانة لائقة ضمن الدول الصاعدة.. وأعتقد بأن تعيين عبد الوافي الفتيت ابن منطقة الريف العارف بجغرافيتها وتاريخها، هو بداية تدارك الأخطاء، ولذلك كان أول ما فعله مباشرة بعد تعيينه شد الرحال إلى الحسيمة والاجتماع بمختلف الفاعلين بالمنطقة، وهذا له رمزيته، كذلك فإن الحوار الذي بدأت تخطه الدولة ليس مبنيا على التسويف واللعب على الزمن والمماطلة، والدليل حجم الميزانية المخصصة لمشاريع كبرى تقتضي التجسيد والمتابعة والضرب بقوة على كل من يتلاعب بمصالح المواطنين.
وهناك في الجهة المقابلة ضعف الأحزاب السياسية التي افتقدت المصداقية ولم تعد محط رهان، ولا تساوي لدى مناضليها فبالأحرى باقي المواطنين من أهل الريف شيئا، لذلك أصبحت مثل إطارات فارغة عاجزة عن الحركة والفعل والتأثير في مجريات الأحداث، لذلك حين وقعت نازلة مقتل بائع السمك، انفلت زمام الأمر منها، ووجدت نفسها في وضع المتفرج مما يقع..
ثم هناك المحتجون، لا يمكن أن نوجه للجنة المحلية وأعضائها تهم الخيانة الوطنية، إذ بها أعضاء نتقاسم معهم ذات الحب للانتماء للوطن، ولكن يجب قول الحقيقة كاملة، فـ"حوتة وحدة يمكن تخنز شواري ديال الحوت"، وبحكم أن المنطقة ظلت تتميز بحساسيتها السياسية فإن هناك العديدين ممن يلعبون في الماعون الريفي، وهذه هي الفتنة الحقيقية التي يجب أن يحاربها كل الطيبين في الدولة كما في اللجنة المحلية أو المسؤولين المحليين ونشطاء المجتمع المدني، فقد كشفت العديد من التقارير أن بعض النشطاء الذين يقودون الاحتجاجات بمدينة الحسيمة، توصلوا بتمويلات من الخارج، من أجل مواصلة تأجيج الأوضاع بمنطقة الريف، وذلك بعد الاجتماع الذي عقده وزير الداخلية مع مسؤولي المصالح الخارجية والمنتخبين وممثلي المجتمع المدني.
وهناك تجار مخدرات من الريف مقيمين خارج أرض الوطن، وخاصة بدولة هولندا ، تكلفوا بإرسال أموال إلى بعض قادة الاحتجاجات الذين عقدوا اجتماعات مكثفة خلال الأسبوع الجاري لتنظيم احتجاجات أخرى في الأيام المقبلة، وظهر ذلك بشكل واضح في الإمكانيات اللوجستيكية التى تمت الاستعانة بها فى المسيرة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة الحسيمة من وسائل الاتصال الحديثة واللافتات ومعدات تكبير الصوت، كذلك فإن العديدين ممن يرفضون الحوار ولا يؤمنون بضرورة حل المشاكل المتراكبة بشكل مؤسساتي حسب الأوليات، ولا يؤمنون سوى بالتصعيد المجاني والتهديد الخطير الذي يضر بمصلحة الوطن ووحدته خدمة لأجندات خارجية، تحاول بكل الأساليب زعزعة استقرار هذا البلد الاستثنائي الذي عرف تاريخيا بقدرته على رص الصفوف والتناغم لحل المشاكل في بعد وحدوي متميز. ومن يجهل هذه الحقيقة ننصحه بالعودة إلى أمهات الكتب التاريخية وإن كان لا زال تحت تأثير أقراص "الوهم" القادمة من خارج الحدود نرشده إلى الغوص في عمق سيكولوجية المواطن المغربي الذي يقبل بكل شيء إلا أن يُعبث بانتمائه الجغرافي والوجداني في هذا البلد الذي نعشقه حتى النخاع، لهؤلاء نقول "اتقوا الله في وطنكم ولا تبيعوا البلد بثمن بخس للشياطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق