سعت الدولة منذ بداية الاستقلال، إلى خلق مجموعة من المؤسسات العمومية، لتكون بمثابة دعامة للاقتصاد المغربي، ومن هذه المؤسسات ما اتخذ صبغة اقتصادية تجارية مثل المكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ومكتب استغلال الموانئ، ومنها ما اتخذ صبغة مالية مثل صندوق الإيداع والتدبير، الذي يعد مؤسسة مالية تم تأسيسها على شكل مؤسسة عمومية سنة 1959.
غير أن هذه المؤسسة التي يتمثل دورها الأساسي في تدبير واستثمار الأموال العمومية وتحريك عجلة الاقتصاد، بدأت تفوح منها رائحة الفضائح والتقارير التي تورط بعض مسؤوليها في اختلالات إدارية بالجملة ناتجة إما عن سوء التدبير نظرا لانعدام الكفاءة أو نتيجة ملفات فساد، كان أبرزها فضائح الشركة العامة للعقارات “السيجيي” (CGI) الذراع العقاري للسيديجي (CDG)، التي زكمت الأنوف وجرت المتورطين للمساءلة أمام البرلمان؛ فبعد فضيحة بادس بالحسيمة وبوسكورة والرباط، اتجهت رياح الفضائح بما لا تشتهي رغبة مسؤولي إمبراطورية بلاص بيتري بالرباط.
غير أن التعمق في البحث في الأسباب الكامنة وراء هدر المال العام، يظهر ربما غياب معايير الشفافية والنزاهة التي تخضع لها المباريات ولوج هذه المؤسسة التي تحتكر استغلال وتدبير أموال المغاربة، وهو ما يجعلها أحد أكبر المؤسسات الأرستقراطية التي تجمع أبناء الأعيان والنافذين وأولاد الفشوش(..)، الذين لا يحملون من شهادات عليا إلا انتماء آبائهم إلى قيادات في أحزاب سياسية أو نافذة(..)، علما أن هذه المؤسسة التي يعول عليها في تحرك الاستثمار العمومي تشغل أزيد من 5000 موظف أصبحوا يشكلون عبئا على الدولة نتيجة تمتعهم بامتيازات خيالية وأجور باهظة.
هكذا بدأت رحلة تحقيق “الحياة دايلي” في أخبوط العائلات المسيطرة على هذه المؤسسة لتتوصل بلائحة أولية لأسماء أبناء هذه العائلات الذين يُعمرون مؤسسة “السيديجي”، منهم خولة لشكر الابنة الصغرى لإدريس لشكر التي حاول والدها الدفع بها بقوة لمنصب وزير في حكومة سعد الدين العثماني، غير أن الضغط الشعبي بموقع الفايسبوك حال دون ذلك.
خولة لشكر، ذكرت العديد من التقارير أنها استفادت من موقع والدها السياسي للحصول على وظيفة مريحة في صندوق الإيداع والتدبير المعروف اختصارا بـ”السيديجي”، حيث شغلت منذ فبراير من سنة 2013 نائبة للمدير المكلف بالتخطيط المالي في “السيديجي”، بملايين السنتيمات كما شغلت خلال سنة 2012 مديرة الأنشطة المتعلقة بقسم التعديلات بصندوق الإيداع والتدبير.
وهذا ابن أحمد الحليمي العلمي المندوب السامي للتخطيط، مامون الحليمي، الذي شغل منصب المدير العام لشركة تطوير وتعزيز منتجع سياحي تغازوت، فبعدما تخرج من الجامعات الأمريكية الخاصة جورج تاون وجورج واشنطن، بعد انضمام نوبات في بنك المغرب ومجلس القيم المنقولة، شغب في نونبر عام 2003 منصب مدير المشروع مع المدير العام، ليتم تعيينه في دجنبر 2006 مستشارا خاصا لرئيس المجلس التنفيذي للسيديجي، المسؤول عن مراقبة خطط إعادة الهيكلة والاتصالات.
وقد عين بعد ذلك مديرا لشؤون السيديجي ثم مسؤولا عن استراتيجية الموارد المالية والقطب، ليتدرج بعدد من المناصب الأخرى.
اسم ثالث طرح نفسه بقوة هو محمد سهيل بنشريفة ابن الوالي المدير العام السابق للجماعات المحلية بوزارة الداخلية، والذي شغل منصبا رفيعا بصندوق الإيداع والتدبير قبل أن يصبح مدير تكنوبوليس بارك.
بينما الاسم الرابع هو عمر بلافريج من عائلة أحمد بلافريج الذي ترأس ثالث حكومة للمغرب سنة 1958، هو برلماني عن فيدرالية اليسار الموحد، الذي أصبح مديرا لمؤسسة تكنو بارك فرع الدار البيضاء.
ثم عمر اليازغي ابن محمد اليازغي الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي اطمأن لتواجده المريح في مؤسسة يحلم كبار الأطر المغاربة الاشتغال فيها، وقد وقع في فضيحة من العيار الثقيل بعدما ذكرت وسائل إعلام متعددة أنه قدم قرضا مريحا لمساعدته دون أن يهتم بطريقة استرداد القرض وسط ضجة كبيرة داخل مؤسسة “السيديجي” التي يديرها أبناء وإخوان كبار الأعيان والمسؤولين المغاربة.
في ختام هذ التحقيق تتساءل “الحياة دايلي” خل كان هؤلاء الابناء يستجفون تلك المناصب لوا انتمائهم لعائلات المنعم عليها؟ وهل تعتمد مايير التنافية والشفافية في الولوج لهذه المؤسسة ومؤسسات أخرى أقر مؤسا المجلس الأعلى للحسابات أنها سائرة نحو الافلاس نتيجة سو التدبير.